اجتمعتُ بطبيب عربي تخصص في أمريكا ويحمل جنسيتها، وعندما سألته عن سبب تركه أمريكا كان جوابه أنه يخشى على أولاده أن يخرجوا عن التقاليد العربية. يصعب علينا في العادة أن نتصور ضغط الثقافة، ولو سألت أي إنسان هل أنت مقتنع عقلياً ووصلت إلى ما تعتقد بتمحيص ونقد شديدين؟ أم أنك تفعل ما تفعل بسبب التقليد وإكراهات المجتمع؟ لاعتبر نفسه ثالث ثلاثة بعد آينشتاين وإسحق نيوتن في الفهم، وأكد بما لا يدع مجالاً للريب أنه وصل إلى العقيدة الصحيحة بتمحيص تعجز عنه ميكانيكا الكم والنسبية معاً؟! ألا إن أبغض الأشياء على النفس الانتقاد ولا تسكر النفسُ بخمر كالثناء، وهناك نوع من التساؤلات تمثل الأرض الحرام فلا يلج معاقلها أحد وكانت حجرا محجورا. علينا أن نعترف أننا ولدنا في بيئة إسلامية رأينا آباءنا يصومون فنحن مثلهم نصلي ونصوم، ولكن السؤال المزلزل ماذا لو ولد أحدنا في التيبت أو ألمانيا أو اليابان أو حتى الناصرية في جنوب العراق؟ يسهل أن نتصور أن أحدنا لو ولد في إيران سيكون شيعياً، ولو ولد في تركيا سيكون على الأرجح سنياً وعلى المذهب الحنفي، ولكن هل يمكن أن نتصور أن أحدنا لو ولد في (كيرلا) في الهند لكان هندوسياً يقدس البقرة أو الجرذان أو من السيخ لا يستغني عن عمامته ولا يقص شعره إلى يوم القيامة، ولو ولد في اليابان لكان ربما بوذياً من جماعة (الزن)، ولو ولد في ميونيخ لربما كان قساً كاثوليكياً؟ ولو ولد في التيبت لكان حليق الرأس يلبس الأصفر من جماعة (الدلاي لاما) ولو ولد في مونتريال في الحي اليهودي لرأى العالم كله يهز برأسه وجسمه وهو يقرأ العهد القديم، ولو ولد في شمال إيرلندا أن يستقر مصيره بين كاثوليكي وبروتستانتي في حرب أهلية؛ فهناك أمور تتحكم فينا تدفعنا أن نفكر بعمق أمام هذا السؤال المزلزل فنكون أكثر تسامحاً مع الآخرين. هذه المقاربة تقول إن علينا أن نستوعب كيف يفكر الآخرون وأن هناك من يغير قناعاته، وأن علينا أن نلتمس العذر للآخرين، وأن ندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.