في جلسة طاب مزاجها، واعتدل صفاؤها، سألتني يمان عن مقدار الحرية عند الإنسان؟ قلت لها: أحدنا يولد في قفص محكم مربع، من ثلاثة أضلاع بحديد وسلاسل، ورابع قد يكون فيه مسامات مجهرية صغيرة. يقول الرحمن و(شددنا أسرهم). يولد أحدنا مسجونا بإحداثيات الزمن؛ فلا يملك منه فكاكا ولا خلاصا. من ولد في ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي مصيره في الغالب الموت في قتال الشوارع في ستالينجراد. ومن ولد في الخليج من رحم امرأة خليجية، في ثمانينيات القرن العشرين، فهو من الاغنياء، يركب سيارة فارهة، وحسابه البنكي يفيض، ويتمتع بفيلا مبردة مسخنة في قر البرد، وحر الصيف. مع احتمال أن يكون مريضا بالسكر والضغط وهذا ضريبة الرفاهية. مقابل عمال بنغاليين، أنحف من المسطرة، لا يشتكون من مرض وعلة، وهذا تعويض الفقر ولكنه لا يعلم؟ يأتي أحدنا إلى العالم في لحظة، ويودعه في لحظة، لا يملك دفعه لو رغب أو أراد. يأتي البشر رضعا يبكون، وينهون حياتهم وعليهم الناس يبكون. مع كل شروق شمس يصرخ 270 ألف طفل مستقبلا الحياة، ومع كل غروب شمس يدلف إلى المقابر 140 ألفا؛ فيزداد الجنس البشري مع كل دورة يوم وليلة 130 ألفا. في السنة ثمانون مليونا من الأنام. في العقد مليار نسمة. فهذا الضلع الأول من المربع الحديدي. أما الثاني فهي الجينات. يولد أحدنا محدودا بقدر لا فكاك منه، بجينات تشكل قدره من صحة أو مرض، بل وجنسه من أنثى أوذكر. إذا ولد في أمريكا أنثى خفت معاناته، وإذا ولد في أفغانستان حمل فوق الأحمال أحمالا؛ فهذا هو الضلع الثاني من المربع. أما الضلع الثالث فهو المكان؛ فمن ولد في ريف مصر كان الله في عونه، ومن ولد في مونتريال من كندا فأمانه من ثلاث نواحٍ: دراسة رائعة، وطبابة متوفرة، وأمن فوق الأمن. أما الضلع الرابع فهو ليس محكما تماما بين اللغة والثقافة. فمن ولد في التيبت كان من جماعة الدلايا لاما يلبس الأصفر ويقرع الصنج، ومن ولد في بافاريا (ألمانيا) كان واحدا من ثلاثة، كنسي كاثوليكي من حزب (CDU)، أو بروتستانتي في مصنع المرسيدس، أو بلا دين أستاذ جامعة ينظر إلى الحياة صدفة وضرورة، ويستعد للمشاركة في مؤتمر أكسفورد عن الملحدين في التاريخ! ومن ولد في الناصرية جنوب العراق؛ فهناك احتمال أن يكون ممن يقاتلون دفاعا عن مراقد الأموات في السيدة زينب بدمشق! مع ذلك وفي هذا الضلع بالذات يمكن للإنسان أن يغير دينه وثقافته ومصيره المالي كما حصل مع أناس اعتنقوا الإسلام، أو أتراك اشتغلوا في ألمانيا فاغتنوا، أو من هاجر إلى كندا فعاش في قمة العالم ومن نزح إلى (جيسن) فتعلم في البيولوجيا الحديثة.