كلما أشار من أحبه بعلامة إعجاب أمام كلماتي، أستعيد قراءتها بسرعة وأعجب، كأني أقرأها أول مرة. هذا هو الإحساس الذي ينتابني في موقع التواصل الاجتماعي» Face book بمجرد أن أنشر في صفحتي نصاً من النصوص، وهو موقع سيظل يلاحقني بالرنين كلما أشار معجب أو علَّق صديق.. قبل فيسبوك، كنت بمجرد أن أنشر نصاً في صحيفة أو مجلة حتى أقرأه بعين يقظة ومندهشة، كما هو الحال الآن مع فيسبوك، الفارق أن العجب الذي يصيبني من كتابتي، عبر إحساسي بقراءة الآخرين، كانت تداهمني مرة واحدة، أثناء النشر الورقي، لكنها الآن تتوالى متلاحقة على قدر كل «لايك» أو تعليق.. يا له من شعور مدوخ… يا له من فخ. كثيراً ما يحاول العجب بما أكتب أن يتخفى بأشكال عديدة، وكلما سددت درباً، شق له طريقاً آخر، لكني وباتفاق ضِمني بيني وبين أصدقاء خلص، تدربنا على أن نجلد الشعور بالعجب كلما أطل برأسه، بما يفوق ارتفاع النص المثير له، نخرج من المحادثة وإشارات الإعجاب العلنية أمام الآخرين، نحو محادثات خاصة، ودائماً نتوسل الواتسآب لسهولته، فنبدأ في قصف ذاك الشعور – العجب – بفأس حادة وسليطة من السخرية المبتكرة، وغالباً لا نتوقف إلا بعد أن يطفر الدمع من عيوننا… كنا أشبه بعصابة عتيقة، آلت على نفسها ألاَّ تنزلق في غواية الجموع، أن تنفرد قدر ما توفر لها، بلغتها التي لا تشبه إلاَّ صاحبها، وكثيراً ما تتمرد على ما يتوفر أمامها وتكد في البحث عن كنوز خفية في هذا العالم. لكل واحد من مواقع التواصل الاجتماعي، ما يميزه عن غيره، ليس بالقدرات الفنية، وإنما بما ينتجه من مشاعر لدى المستخدمين، لكل موقع أثره النفسي ونمطه السلوكي، الذي سيحفر بخفة عميقة مثل نهر سري، في نفس صاحبها حتى تتحول إلى إدمان لا فكاك منه إلا بالدخول الى مصحة المدمنين… ربما بعد عقد أو عقدين ستشخص ظواهر مرضية مثل «متلازمة تويتر» .. « فصام الفيس» .. « كآبة الكيكرز» و « بوليميا إنستغرام» ….أقول ربما، لكن الأرجح أن هذه المواقع سيكون لها أثر نفسي واجتماعي، على سلوك مستخدميها، بشكل مباشر وظاهر للعيان، حتى ذاك الذي يظن أنه قادر على السيطرة والتحكم في بعض الأعراض الجانبية للاستخدام، لن يعدم أن تغلبه عوارض كامنة ستتسلل مثل أفعوان أسود في العتمة، وترمي بيوضها في حفر غائرة. قبل أن أعود للفيسبوك، أقول إنني لهثت حتى كادت أن تنقطع أنفاسي في تويتر، وكنت لا أكاد أضع الجهاز جانباً ليل نهار لملاحقة الأخبار الخاطفة والسريعة، التي لا ينفع معها أي تأمل أو تفكير، لهذا عدت للفيسبوك شريطة ألاَّ يكون هو الآخر مثل كمين رمال متحركة. أرى العجب في فيسبوك، حيث أجد كماً هائلاً من الإعجاب على نص هزيل، مقابل نصوص لا يلتفت لها إلا القلة، بحيث توجب علي أن أعيد التفكير في اشتراطات هذا الموقع، وكيف توصل إلى صياغة اعتبارات معيَّنة ليست الجودة من ضرورياتها، لا يعني هذا أن أهجر هذه المواقع، بل أن أختار ما يناسبني منها، ومن ثم أن أشكك وأعيد النظر في محاولاته الدؤوبة على فرض نمط من معاييره العجيبة، والمختلفة مع ما أراه. ودائماً وأبداً أعالج العجب الذي يحاول أن يتسلل إلى نفسي بالسخرية والتفكه مع الأصدقاء اللدودين.