رمضان زيدان التشخيص الممنهج والصحيح – لمشكلةٍ ما – ينتج عنه علاج ناجع، وحل يفضى إلى التوفيق والسداد، وذلك يكون من خلال دراسة مستوفية الأركان لما يعترض الكائن الإنساني من معوقات في حياته اليومية مع من حوله في القطاع العملي أو على المستوى الشخصي، فليس هناك مشكلة دون حل، ولكن توجد مشكلة دون فهم. لذلك كانت الدراسة المتأنية لأي مشكلة تقابل الإنسان في يومياته ومعاملاته هي الخطوة الإيجابية التي لها ما بعدها في إيجاد الحل المناسب، ومن هنا أصبح لزاماً على مراكز الدراسات المتخصصة أن تعمل جهدها بحثاً وتدقيقاً لتشخيص المشكلات والعلل في حياة الإنسان بوضع نظام أكاديمي متخصص في معالجة معاناته على الصعيد الشخصي أو على الصعيد العام، سواءً بسواء، لتعزيز الدور الإنساني في المجتمع، ببحثٍ وافٍ لمشكلاته الشخصية، انطلاقاً من دوره في كافة القطاعات الإنتاجية المتكاملة والباعثة لمقومات الحياة. وعلى هذه المراكز في المقام الأول أن تُعنى بالإنسان قبل كل شيء لتوضيح علاقته بنفسه ثم بالآخر ثم بسائر المخلوقات من حوله ثم علاقته بالكون الذي يعيش فيه؛ ولذا كان على هذه المراكز أن تبحث في الحالة الشعورية بموضوعية شديدة، فعلى الباحث الحصيف أن يكون شمولي النظرة لهذا الكائن المكرم، فكيف بإنسان عنده من المشكلات ما عنده كأثقال الجبال تكدر خاطره وتعكر صفوه وتسحق بداخله خلايا الإبداع وجينات التفرُّد، ثم تطالبه بعد ذلك بوفرة في الإنتاج وزيادة في الدخل من خلال إبداع فكري أو عمل جسدي يحتاج إلى هدوء ذهني ووفرة في القوة، كي يتسنَّى له القيام بهذه المهام . إن الفصل بين المشكلات الشخصية للنفس البشرية والحياة العملية هو محض افتراء وضيق في الأفق وليٌّ في الحقائق، وذلك لأن المشاعر الوجدانية والجوارح الجسدية تنصهر في قالب إنساني داخل نفس بشرية واحدة، فعلينا أن نعالج هذه المشاعر المدغدغة حتى لا تنعكس انعكاساً سلبياً على أرض الواقع التي تتأثر بها الحياة العملية للإنسان؛ حيث إنها – أي النفس البشرية – هي الذراع العاملة والمنتجة والواجدة للوفرة والثروة من خلال العملية الإنتاجية. من هنا كان أمراً حتمياً على الباحث الحصيف أن يضع ذلك في حسبانه وهو يعالج الشعور الإنساني وأن يسافر في العمق البشري بدراساته وتحليلاته ليبحث أصل العلة وموطنها .إن المترقب والباحث قد ضل واعتل وعنده ميزان التوازن قد اختل، حينما أراد الفصل بين الحالة الشعورية داخل النفس البشرية، وبين واقعها العملي والإنتاجي، فكيف الفصل والعزل وهما الوجه الفعلي لجسد واحد وروح واحدة يقف على مركز التحكم لديها في الحركات والسكنات عقلٌ إنساني واحد يوجِّه ويحذِّر ويدق نواقيسه إذا اقترب منه خطر، أو أوشك خطب أن يلم بهذه الأعضاء الملتحمة، وبعضها لصيقٌ ببعض، إنه السلام والتصالح داخل النفس البشرية الواحدة، له انعكاسه الإيجابي كي يتسنَّى لكل نفس أن تقوم بدورها المنوط بها في مشهد مجتمعي تتلاقى فيه شراكة حقيقية لتعزيز الدور الإنساني في توجيهٍ رشيد وتوجُّه سديد يتلاقى فيه الرقي البشري والإبداع المادي في مشهد حضاريٍ مشرق، علينا أن نأخذ هذه المبادئ والقيم البشرية بروح التلقي للتنفيذ وليس التلقي للثقافة والمتاع العقلي فحسب، بل يجب علينا أن نجسدها في الواقع المعاصر لتصير هذه القيم مخلوقات حية تتحرك بين الأحياء وتحرك بداخلهم هذه الطاقة وتلك العزيمة الخلَّاقة.إن لتفعيل الدور الإنساني مقوماً أصيلاً للبناء الحضاري لكي تتم للإنسانية ما تريد من خير ورخاء وسلام. دعونا نؤكد مجدداً أن للإنسان ماهيته وكينونته الشعورية وآلامه النفسية ومعاناته اليومية، وأن لهذه العقبات والمشكلات سواء كانت مجتمعة أو متفرقة تأثيرها على الجانب الفكري والعملي والإبداعي داخل الحقل البشري وعلى العملية الإنتاجية سواء بسواء، وكما أسلفنا أنه على الباحث والدارس في هذه الشؤون أن يضع هذه المعوقات وتلك العقبات أمامه، بل والإقرار أنها تؤثر على الجانب العملي والإنتاجي في حياة الإنسان، وحينما يخرج الباحث علينا بهذه النتيجة وتلك المحصلة تجاه هذه الإشكالية، فعليه من خلال هذه المراكز البحثية أن يقدم تصوره الشامل عن هذه الحالة داخل النفس البشرية وداخل المجتمع الإنساني الكبير، ويتحتم على الباحث كذلك أن يضع هذه الأبحاث الإنسانية في قالب بحثي دقيق يتم من خلاله استخراج العلل والعمل على كيفية تقديم الحلول الواقعية ليتم بذلك تفعيلها لما فيه خير الإنسانية ولتعزيز تلك القيم بشراكةٍ حقيقية مبتغاها الإصلاح والتقويم، وذلك من خلال الفكر الإنساني المعتدل الرامي إلى خير العالمين والمتطلع إلى بعث الروح البشرية من سباتها لتقدم في جد واجتهاد كل ما لديها من طاقات تنموية لدفع الركب البشري إلى البذل والعطاء، لتسود بذلك روح العمل الجماعي ومن ثم تتحقق الصدارة لكل عامل ومجتهد في خضم الصراع البشري والحقل العلمي للتنافس نحو تقدم إنساني سديد حيث تتجلى بذلك النظرة الشمولية لحقيقة الطبيعة الإنسانية.