في طريق داخلية وعرة تنتهي بك أمام بابٍ متهالك، وحتى يسمح لك بالدخول تستقبلك وجوه أطفال شاحبة يلبسون ثياباً بالكاد تستر العورات وتبدو متسخة لعدم وجود ثمن الخبز الذي يعدّ من الأساسيات، فالنظافة والصحة عند أولئك الأطفال ليس إلا ترفاً لم يزرهم يوماً. وتجذب الطفلة ُ «حنين» أطراف ثياب الداخلين وتقول ببراءة لا تعرف الكذب (وزّع علينا خمسة خمسة) أي لكلٍ من الأفواه ال 18 مبلغ خمسة ريالات؛ فهي أقصى أمنيات الطفلة التي تعاني من تقوّس في ساقيها انتهاءً بالفقر الذي دخل إلى أنحاء الدار. واصطحب «الشرق» عم الأيتام العشرة ورب الأسرة “إسماعيل الحقوي” التي يبلغ عددها 21 فرداً، إلى منزل خاوٍ من الكراسي ويفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة؛ ينامون على أشباه فرش مهترئة ومتآكلة ممددة على الأرضيات الإسمنتية. وغالبية الأطفال هم أبناء رب الأسرة، بالإضافة لأبناء أخيه المتوفى الذي ترك في عنقه عشرة أيتام أصغرهم ناصر (أربع سنوات). وفي غرفة في أقصى الدار تنتشر بعض شنط ممزقة لا يوجد بينها إلا شنطة دراسية يتيمة كحال أصحابها وثياب متناثرة في كل مكان، وسقف البيت بالكاد يحمي من الشمس فهو معرّض للسقوط بعد غيمة مطر عابرة، كما هو حال دورة المياه التي تقطر من السقف، والأسلاك الكهربائية والأفياش مكشوفة وبعضها ممدة على الأرض مُعرِّضة حياة الأطفال لخطر الصعق الكهربائي. وينام الأطفال على فرش ملقاة على الأرض، ولا يوجد بهذا المنزل إلا (12 فراشاً) لبيت يقطنه 21 نفساً يقاربونها مع بعضها كي تكفيهم والفاقة أم الاختراع! ويشتكي الحقوي أنه مهدد بالطرد من البيت في أية لحظة وأنه جاءه خطاب من المحكمة يأمره بإفراغ البيت لصاحبه، مع أن العقد لم يكن بينهما، إنما كان من الجمعية الخيرية التي تعاقدت مع المؤجر. مريم الطفلة اليتيمة ذات الأعوام الستة ترفض الكلام، والصمت عندها سيد الموقف وترسم ابتسامة يتيمة مزقها الفقر وفقدان والديها، فالأم رحلت للزواج من رجل آخر بعد وفاة والد مريم التي لديها أخ يصغرها بسنتين اسمه ناصر، ولد بعد أربعة أشهر فقط من وفاة والده. وحينما سألت «الشرق» زوجة الحقوي عن حالها قالت «إن مريم لا تتحدث كثيراً وتقضي أغلب وقتها صامتة ونفسيتها منكسرة دوماً»، ويشتكي الحقوي من تعقيد الإجراءات لضم أبناء أخيه لأنه توفي ولم يضمهم علماً بأن أمهم غير سعودية. ويتحدث الحقوي أنه سيسكن تحت كوبري صبيا حينما يطرد من البيت، وأنه يائس من عدم حصوله على منزل ضمن مشروع الإسكان الخيري الذي بنته مؤسسة الشيخ القرعاوي بصبيا، وما زالت الكتابات بين الجمعية والمحافظة دون نتيجة.