شبِعنا حديثاً بأن النساء شقائق الرجال وأنهن نصف المجتمع. وشبِعنا حديثاً بأن كثيراً من التحفظات المتعلقة بشؤون المرأة في المملكة هي من أجل صيانة عفتها والحفاظ على حشمتها. لكن لو تبصَّرنا في واقع المرأة في المجتمع السعودي على كل الأصعدة لوجدنا أنه من أشد المواضيع تعقيداً وجدلاً وأكثرها تضارباً وإزعاجاً. إذ أنه لا يحقق المتطلبات التي تنشدها المرأة ولا حتى أيضاً شقيقها الرجل. فما يتعلق بالمرأة لا تقف أهميته عندها بل يهمُّ أطراف المجتمع من رجل وطفل. طبعاً أنا هنا لا أتحدث باسم أحد بقدر ما أتحدث باسمي، ومن منطلق متابعتي كفرد من هذا المجتمع، ما يدور فيه من مشكلات ومعضلات تحدُّ من إنتاجيته وتنتقص من سعادته. إدارة المجتمعات في العصر الحديث تشرف عليها الحكومات بشكل مباشر من خلال مؤسساتها المتعددة وما ترسمه من سياسات وتتخذه من قرارات. لذلك فإن أي فشل يحصل في المجتمع تتحمل مسؤوليته الحكومات. ومن هنا فإن كثيراً من الحكومات تستعين باستراتيجيات متعددة المدى من أجل توجيه المجتمع إلى مستويات أرقى في سلم التنمية على كل الأصعدة. وفي مجتمعنا لو نظرنا إلى الإحصائيات الخاصة بشؤون المرأة لوجدنا أنها لا تبعث على الراحة، بل إنها ترفع مؤشرات الخطر. لا أريد في هذا المقام أن أرصد المشكلات المتعقلة بوضع المرأة في مجتمعنا. فهذا الموضوع ولأهميته تناوله كثير من الكتاب والكاتبات، بل إنه لا يكاد يمر يوم دون أن يُنشر مقال حول هذا الأمر من قريب أو بعيد. إلا أني أريد أن أتحدث عن التضارب الغريب، الحاصل في التوجهات الرسمية المحافظة جداً فيما يتعلق بمواضيع المرأة، والاستراتيجيات والقرارات الرسمية غير المحافظة التي تتخذها الوزارات والإدارات الحكومية. أكبر ملفين من وجهة نظري حول وضع المرأة في السعودية، أحدهما مادي وهو التوظيف، والآخر معنوي وهو الزواج والتعايش في المجتمع بشكل عام. فبخصوص الشق الأول، أرى أن هناك أخطاء فادحة جداً في هذا الجانب. من أهمها، وجود ندرة في التخصصات التي تستطيع المرأة أن تدخلها دون أن تقدم تضحيات اجتماعية كبيرة. فعلى المرأة أن تختصر كثيراً من طموحاتها لتقتصر على مجال واحد حتى وإن كان لا يتناسب مع آمالها ولكنه مقبول اجتماعياً وهو التدريس فقط. ومن أرادت أن تكون طبيبة مثلاً أو ممرضة، وهاتان هما من التخصصات التي تجتذب المرأة، عليها إقناع عائلتها مع الإدراك بأن فرصها في الزواج ستنخفض تلقائياً إلى النصف إن لم يكن أكثر، لأن من سيتقدم للزواج منها مستقبلاً سيفكر من زاوية معايير وأعراف المجتمع السعودي، لهذا فإنه سيكون في حكمه أقل عاطفة وأكثر حيادية من أبيها أو أخيها اللذين سمحا لها بعملها غير الجذاب اجتماعياً. ولا يظهر التضارب فقط في ندرة التخصصات التي تستطيع أن تدخلها المرأة وتعمل فيها بكل راحة وبشكل يتناسب مع أعراف المجتمع وبحيث لا يضر مصالحها العليا، بل تكون العقبة الكؤود في طريق المرأة هي في مباشرة العمل. فمن غير المعقول أن تعين إحدى الفتيات من مدينة طريف لتعمل في الدمام. ومن مقر إقامتها في الدمام عليها أن تعمل في إحدى هجر المدينةالمنورة، ومن هي مقيمة في الرياض عليها أن تذهب إلى طريف. وهذا ليس مقتصراً على قرارات وزارة التعليم العالي، بل موجود في وزارات عمل أخرى كالصحة مثلاً. هذا التشتيت في التوظيف غير مقنع في نظري. فنحن في المملكة لدينا نقص كبير في كل شيء، في المدرسات والطبيبات والممرضات وموظفات الدوائر الحكومية، وفي كل مكان نتيجة الارتفاع المضطرد في عدد السكان. فضلاً عن ذلك، كيف نسمح لفتيات مأمورات في مجتمعنا بأن يكنَّ في ظل رفقة أحد محارمهن طوال الوقت لإنهاء أمورهن، ثم فجأة نجعلهن يبتعدن عن أهلهن مئات الكيلومترات. قرار توظيف مثل هذا يُربك عوائل كثيرة في المملكة، حتى أصبح مثل الصراط الذي على كل عائلة أن تسيره يوماً ما عاجلاً أم آجلاً. ونعي جميعاً كم فقدنا أخوات لنا بالجملة نتيجة حوادث السفر إلى المدارس في الهجر والقرى النائية. ونعرف أيضاً قصصاً مأساوية لتشتت الأسر نتيجة أن وظائف بناتهم في المناطق النائية. أين هذه القرارات التشتيتية من التوجُّه الرسمي بضمان بيئة مناسبة لعمل المرأة؟! وفي النهاية تكون العائلات حائرة ما بين لقمة العيش وخوفهم على بناتهم من أي مكروه يصيبهن. تمعَّنوا في هذه السقطات الكبرى في مجتمعنا.. تضطر المرأة للتوظيف في مكان بعيد عن أهلها وتخلو يومياً مع أجانب من أجل الوصول إلى عملها، وتعيش في بيوت مستأجرة مع مثيلاتها وحدهن وبعيداً عن أهاليهن. تمنع المرأة من قيادة السيارة، ولكنها تخلو يومياً مع سائق أجنبي يعيش معها في بيتها أيضاً. سمحت وزارة العمل للفتيات بالعمل في المحلات التجارية فأصبحن يشاركن الرجال في محلات العطورات والمكياج وبصورة لا تحقق لهن العفة اللازمة. بعد هذا كله، عن أي حفاظ على المرأة نتحدث في مجتمعنا؟! ومن ناحية أخرى، تُظلم المرأة عندما تدخل مرحلة العنوسة، رغم أن عدد الفتيان في مجتمعنا أكثر من الفتيات، وذلك بسبب هندسة المجتمع بطريقة تشتتية أكثر منها تجميعية. إنه لمن المحزن أن ترى حرائر هذا البلد يُهَنَّ بسبب المعايير المزدوجة في توظيفهن أو السماح لهن بممارسة حقوقهن في المجتمع.