حقيقة مُرة يواجهها المسؤول وصانع القرار في التعليم العالي، وندور معه حولها في حلقات مفرغة بهدف التعديل والتطوير تنتهي بإهدار مزيد من السنوات وكثير من الأموال التي لم نر لها أثراً ملموساً على أرض الواقع، إذ مازال واقع التعليم في جامعاتنا يمثل امتداداً للمرحلة الثانوية باستخدام نفس أسلوب التلقين والتحفيظ، والدروس الخصوصية، مع كثير من الاتكالية التي خلقت سوقاً من وراء أبحاث بعض الطلبة حين تحولت إلى مكاتب تجارية متخصصة تعدها وتكتبها لهم، ولا يوجد إلى الآن تعديلات متطورة ترفع من نمط وسرعة التعليم الجامعي أو تحاكي التطور الذي تعيشه الجامعات العالمية، بل أتت أغلب القرارات بعد انتظار طويل قتل معه طموح عديد من الطلاب، فبعد الجلسة ال72 لمجلس التعليم العالي تمت الموافقة أخيراً على «بعض» القرارات التي كان من ضمنها معالجة وضع كلية المعلمين في الرياض التابعة لجامعة الملك سعود بدمجها في كلية التربية في نفس الجامعة، والموافقة أيضاً على تعديل بعض مواد اللائحة الموحدة للدراسات العليا في الجامعات السعودية، بما يحقق اختصاراً للإجراءات الطويلة التي كان يمر بها طلبة الدراسات، وعلى الرغم من أن تلك القرارات كانت بسيطة جداً ولا تستحق كل تلك السنوات، إلا أنها ربما تكون واحدة من عشرات الأسباب التي أدت إلى إخفاق الجامعات السعودية من الدخول لقائمة أفضل 200 جامعة في العالم وفقاً لتصنيف «كيو- اس»*عام 2013-2014، وهذا التصنيف العالمي الذي تصدره المؤسسة البريطانية يهدف لتحديد الجامعات ذات المستوى العالي التي ترقى من خلال أدائها الوطني ورسالتها المحلية بمجتمعاتها إلى بلوغ مستوى حضاري، فيتم مقارنتها وتحديد مرتبتها ضمن أرقى الجامعات في العالم، ويحقق هذا التصنيف عادة للجامعات شهرة دولية بين مؤسسات التعليم والبحث العلمي، وذلك من خلال اعتماده على معايير تقييمية تتناول «جودة الأبحاث، وعملية التدريس، والابتكار، والبنية التحتية للجامعة، بالإضافة إلى قابلية توظيف الطلاب مع التركيز على مدى جاهزيتهم للعمل»، ولأنه رحم الله امْرَءًا عرف قدر نفسه، لم يمثل التصنيف أي صدمة لنا، إذ يكفي أن ندرك بأن واحداً من المعايير التقييمية كانت «جودة البنية التحتية للجامعة» التي لم ترق إلى الآن باحتياج الطالب في المملكة بل مازالت ضعيفة جداً، وتفتقر لكثير من الخدمات بشكل ملحوظ خاصة في جامعات الفتيات، ويضع هذا التصنيف التعليم العالي في موقف محرج يُضعف من أداء الوزارة ويُشكك في مُخرجات الجامعات لسوق العمل، ومؤكداً في نفس الوقت ريادة عديد من الجامعات الأمريكية والبريطانية التي ظلت في المراكز الأولى السنوات الماضية مع اختلاف الترتيب في القائمة، فاحتل على سبيل المثال «معهد» ماساتشوستس للتكنولوجيا المرتبة الأولى، في حين احتلت هارفارد المرتبة الثانية، تليها كامبريدج البريطانية في تصنيف هذا العام، بينما تجاوزت امبريال كوليدج لندن جامعة اكسفورد التي جاءت في المرتبة السادسة، وما يستحق الإشادة حقا قفزة ستانفورد إلى المرتبة السابعة بعد أن كانت في الخامسة عشرة لترينا معنى التقدم والتطوير الملموس، وعلى الرغم من خروج جامعاتنا من السباق العلمي إلا أن أغلبها مازال متمسكاً ببيروقراطية صلبة وعقيمة في ترسيخ قوانين أكاديمية قديمة أكل وشرب عليها الزمن، وفي الوقت الذي حسبنا فيه جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من الجامعات المميزة نجدها قد احتلت المرتبة 216، فيما صُنفت جامعة الملك سعود في المرتبة 253 ووصلت جامعة الملك عبدالعزيز للمرتبة 360، أي مازال هناك مشوار طويل على الجامعات اجتيازه في زمن السرعة، إلا لو فكرت الوزارة باختصار الوقت بعمل قفزة علمية وعملية بتطبيق أو محاكاة نظام الجامعات الأمريكية أو البريطانية لأن الوقت لا يسعفنا لعمل مزيد من التجارب والاختراعات التي من الممكن أن تهدر كثيراً من الوقت، وربما آن الأوان للاستفادة من التجارب التي اختبرها وجربها عدد كبير من عمداء ومديري الجامعات أثناء فترة ابتعاثهم للخارج، فحين يقرر الفرد على سبيل المثال أن يدرس في إحدى الجامعات المصنفة عالمياً، يكتشف بأن شروطهم أسهل من التي تضعها جامعاتنا هنا، فتجد تعدداً ووفرة في التخصصات بحيث لا يجبرك تكدس بعض التخصصات التي ترغب فيها على اختيار أي تخصص آخر في أي جامعة فقط لأن بها شاغرا! بل هناك نهاية منطقية ومشجعة بعد التخرج حيث تتكفل الجامعة بتأهيل الطالب الخريج للعمل مع إعطائه أكثر من عرض يضمن توظيفه، وهنا ما زال طالب الدراسات العليا يُحرم من مواصلة تعليمه العالي فقط إذا تجاوز سن ال35، مع أن المملكة من الدول التي لا تكترث لمسألة العمر حين استقطبت خبراء أجانب من القارتين الأمريكية والأوروبية، بل كان هدفها العلم والخبرة، ومع ذلك تصر قوانين الجامعات بأن تبقى الأولى في التعجيز والأخيرة في التصنيف!!