للوهلة الأولى يبدو الموقف الأمريكي من سوريا محيراً بعض الشيء، فالعلاقات السورية الأمريكية لم تكن يوماً على وفاق، فسوريا حليفة لإيران، وهي كذلك الداعم الأساس لحزب الله، الذي تصنفه أمريكا كمنظمة إرهابية منذ أكثر من عقد من الزمان وتنسب إليه تفجير القاعدة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، التي قتلت ما يقارب ال250 جندياً أمريكياً، حزب الله وسوريا كذلك هما المتهمان الرئيسان باغتيال رفيق الحريري حليف أمريكا القوي، لذا من الصعب تصديق نظرية المؤامرة القائلة بأن أمريكا على وفاق مع النظام السوري. ولكن لماذا لم تتدخل أمريكا للقضاء على نظام الأسد؟ لماذا تمنحه الفرصة تلو الأخرى ليقتل مزيداً من الأبرياء ويعقد الوضع المعقد أصلاً؟ هل مازال شبح الأزمة الاقتصادية والفشل في غزو العراق وأفغانستان مسيطراً على صناع القرار في البيت الأبيض؟ ربما يكون لتلك العوامل دور في تأجيل اتخاذ قرار بالتدخل العسكري المباشر، لكن الحقيقة أن أمريكا قد حسمت أمرها وبادرت بالتدخل الفعلي منذ سنوات في سوريا، وجزء كبير مما يجري الآن كان مقصوداً ومخططاً له بدقة منذ أعوام، ففي مارس من عام 2007 نشر سيمور هيرش (الصحفي الذي كشف فضيحة سجن أبوغريب) تقريراً مطولاً عن السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة، وخلاصته أن المخابرات الأمريكية لكي تحتوي إيران وسوريا قررت السير في اتجاه إشعال حرب طائفية في المنطقة كي تُضعِف من نفوذ كل طرف وتُشغله بالآخر. وفي تقرير مطول آخر نشره مركز جلوبال ريسيرش يربط البرفيسور مايكل شودوفيسكي بين مشروع المخابرات الأمريكية لإشعال الفتنة الطائفية في العراق والأحداث الجارية في سوريا، كان العراق قد اشتعل بالفعل منذ 2005، وتولى إشعال الحريق فيه السفير السابق جون نيغروبونتي الذي أرسلته الحكومة الأمريكية إلى العراق لتشكيل فرق الموت تلك من الطرفين السني والشيعي نظراً لخبرته السابقة في أمريكا الوسطى عندما كان سفيراً في الهندوراس في الثمانينيات، واقترن اسمه بفضيحة ثوار الكونترا الذين تولت أمريكا تدريبهم سراً وارتكبوا مذابح قُتل فيها عشرات الألوف. قام نيغروبونتي في العراق بتشكيل فريق صغير للإشراف على عمليات التفجير والاختطاف والتعذيب، أحد أهم أفراده مساعده روبرت فورد الذي -صدِّق أو لا تصدق- عُين فيما بعد سفيراً لأمريكا في سوريا قبيل اندلاع الثورة هناك! ويؤكد شودوفيسكي أن المخابرات الأمريكية كررت سيناريو السيلفادور والعراق في سوريا، وأنها جنَّدت فرق الموت المؤلفة من شركات أمنية خاصة من جهة ومن فرق أخرى تم اختراقها وتمويلها وقادتها جميعاً لقتل المدنيين وتنفيذ التفجيرات لتحويل الثورة السورية إلى حرب طائفية، ولتمزيق الدولة بالكامل! لماذا لم تقضِ أمريكا على نظام الأسد حتى الآن؟ لأن هدف واشنطن غير القابل للتصريح به وهو تحويل سوريا لكيانات صغيرة ضعيفة وطائفية، لم يُستكمل بعدُ. ولا عزاء للقتلى والثكالى الذين ينتظرون تدخل (المجتمع الدولي) لنصرتهم!