أسوأ ما في الانفتاح الإعلامي العربي المُستجد هو أنه جلب لنا منظرين بمسمى خبراء ومحللين ومتخصصين، وفي الواقع عديد منهم ليسوا أكثر من جهلة أميين، لكنهم تكلموا بما يوافق هوى مستضيفيهم، فمُنحوا الفرصة والمادة، لينتجوا لنا الغث من الفكر، الذي لن يقدم بل سيؤخر، وسيُحدث حالة من التبعية للمشاهد، نتيجة تكرار المنطق والرأي نفسه، ولكن بعدة ألسنة ووجوه! المتخصص هو الشخص القادر على المستوى النظري والخبرة والحديث على إيصال المعلومة للمستمع بحرفية، معبرةً عن وجهة نظره دون أن يُشعر المتلقي بأنه يغبنه أو يلقنه، أو يحاول أن يلقي عليه بياناً لا وجهة نظر! أسهمت الفضائيات العربية المستجدة والعتيقة على كثرتها الآن وتعدد مشاربها، بإيجاد فوضى إعلامية غير بناءة. كما أنها لم تنتهج الحيادية، بل سعت لعرض وجهات نظرها عبر محللين مصطنعين أو تم تحضيرهم وتجهيزهم، ليكونوا أشبه أو أقرب وصفاً لهاتف العملة مسبقة الدفع، أو ذاك المتحدث منمق الحديث الذي يقول فقط ما يُراد لا ما يَشاءُ ويرى! هناك نوعان من الإعلام بشكل عام، نفتقد فيه إعلام الرأي «Opinionmedia»، الذي يتبنى طرح قضية ومن ثم النقاش حولها، كما يسهم في توسيع المدارك ولا يعمل على حجر العقول، بل يترك المجال مفتوحاً للمشاهد بأن يستنبط رأيه المبني على قناعة استنتجها بعد استماعه لوجهات نظر مختلفة. لكننا، نعيش في ظل إعلام المعلومة «Reportingfacts»، الذي جعل الشعوب في خانة المتلقي أكثر، والمغيب فكرياً، ومعتمداً على ما يتم توجيهه له بدلاً من أن يصل إليه باقتناع ذاتي يعقب تحليله لكل ما سمع من آراء متنوعة ومختلفة. الإعلام المؤثر هو السلاح الفكري الأكثر فائدة في توجيه الجموع وتثقيفها وتوعيتها، كما أنه المُسهم الأنسب في إيجاد بيئة متحضرة ومتنوعة، يحترم كلٌّ فيها الآخر، وإن كان النقيض المُغاير له. كما أنه المُدغدغ لعواطف الناس، والأكثر قدرةً على استمالتها وتوجيهها صوب ما يُراد لها أن تكون. هو سلاح ذو حدين، وقد يكون سبباً في نشر الفكر الضال، وإيجاد القلاقل، وتقسيم المجتمع وتغييبه، وبث الفرقة بين أبنائه، لكن لمَنْ أحسن صنعه، هو السبيل الأسمى لتكوين وتأسيس الدولة المدنية الحديثة، التي لا يطغى فيها فكر على آخر، بل الجميع مرحبٌ بهم ومقبولون تحت مظلة الرأي والرأي الآخر بكل احترام، ودونما إقصاء أو تخوين.