تبدأ مواجهة الآفات الاجتماعية كالإرهاب والمخدرات أو الفساد بمعالجة وتطوير حواضنها التي ترعرعت في أكنافها؛ فالمجتمع يتحمل وزر صناعة فاسديه ولصوصه ومنحرفيه فهم لم يأتوا من مكان آخر بل نتاج ثقافته الحقيقية التي يعيشها لا تلك التي يدعيها أو كان ينتمي إليها في سالف العصور، يختصر بعضنا مع الأسف مفهوم النزاهة والشرف في القضايا السلوكية الفردية كتلك التي تخص المرأة أو الشباب ويهملون أصل الداء وما هو أبلغ أثراً وأشد ضرراً على الوطن والمواطن، نقصد الفساد الإداري والمالي الذي ينخر في أسس الأمة ويقيض المبادئ والمثل التي قامت عليها منظومة القيم الاجتماعية ويستنزف موارد الوطن وينمي الغضب والإحباط في قلوب الشرفاء من أبنائه، كيف نريد لناشئتنا أن يصدقوا بأننا أمة الفضيلة والنزاهة بينما نحتل ترتيباً متأخراً جداً على سلم الشفافية الدولية، وبينما يتحدث الناس في كل مدينة وقرية عن أثرياء اليوم والليلة الذين تحولوا فجأة من موظفين كادحين لا يعرف لهم من الموارد سوى رواتبهم المحدودة، إلى رجال أعمالِ ومصالح يديرونها من خلف الأسماء المستعارة، فلا شيء يخفى ولا سرّ يبقى سراً إلى الأبد! وحتى إن قامت هيئة محاربة الفساد ومؤسسات الرقابة الرسمية الأخرى بدورها وتتبعت جيوب ومخابئ الداء السرية فلن نخرج من وحله ولن نتخلص من وباله ما لم ننتهِ من نفاقنا الاجتماعي ونكف عن تبجيل المسؤول الفاسد الذي يقتطع من حقوق المواطنين ليحابي أقاربه أو يتجاوز النظام من أجل مصالحه الخاصة فنمتدحه ونجعل منه مثالاً أعلى لأبنائنا وننعت المسؤول الذي يقف عند حدود النظام بالضعيف والعاجز، نفاقنا يساهم إلى حدٍ كبير في صناعة وتضخيم الفساد ويزيد من سعار الفاسدين بل ويشجع المترددين في قبول المال الحرام والسلوك الوظيفي الخاطئ على خوض التجربة والارتماء في الدوامة، فما الذي يمنعهم والحال هذه؟! أسوأ من ذلك حين نشتم المسؤول الفلاني الذي يقبل الرشى ويهدر الحقوق وينهب موارد إدارته ثم ننتفض مرحبين به حال دخوله؛ فنوسع له في صدور المجالس ونقيم على شرفه المآدب وننظم في مدحه الأشعار إما طمعاً في نواله ونفوذه أو خوفاً من سطوته وتسلطه.