اشتدت الحملة الإعلامية مؤخراً على ضرورة ايجاد حلول عاجلة وجذرية لمعضلة الفساد المالي والاداري والتي استشرت في مختلف مفاصل القطاع العام والخاص وتمثلت هذه الحملة الشرسة والمحمودة في أقلام خمسة كتاب من عتاولة الاقتصاد والدراسات المتخصصة وفي ظرف زمني متقارب مما ينذر بالفرج القريب المقالة الأولى للدكتور عيد بن مسعود الجهني وهو رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستشارية أتقن فيها وبحرفية بالغة اطلاعنا على مواصفات ومقاييس أهل الفساد وصناعه والتي جاءت على النحو التالي: 1 هم أكثر أفراد المجتمع يعلم بنص النظام وفقرات القانون ولكنهم يتفاوتون في تطبيقه ويطوعونه وفق ما تقتضيه مصالحهم وإذا استدعى الأمر يقفون في وجهه بأي الوسائل من رشاوى واستغلال للسلطة. 2 تتفنن جوقة الفساد المالي والاداري في تلطيف العبارات وتهذيبها بما يخدم مصالحهم الشخصية ويسهم في الحاق الضرر بالآخرين. 3 تقوم العناصر الفاسدة وبكل همة ونشاط على نشر غشاوة على عين الحقيقة وتنقل ما استطاعت صوراً كاذبة ومخادعة الى المسئول قد يتخذ بمقتضاها قرارات مهمة وخطيرة وتترك آثاراً سيئة في الحاضر والمستقبل. 4 يتميز عناصر الفساد المالي والاداري في الحرص الشديد على تجاهل كل ما فيه المصلحة العامة لأن النفاق والرياء والكذب والمراوغة ملازم لها. 5 مريضون بداء الأنا فأنفسهم ومصلحتهم فوق أي اعتبار ومنافعهم قبل منافع الآخرين بل انهم يسيرون رافعين شعاراً لهم أنا ثم الطوفان من بعدي ولسان حالهم يقول فلا جادت سحائب لم تنزل بأرضي. 6 يشبهون الحية الرقطاء ملمسها ناعم وسمها زعاف يظهرون الرحمة والورع والصدق والايثار والعفاف والوطنية وباطنهم يعج بالقسوة والفجور والكذب والتزوير والتدليس. 7 تأبى هذه الايدي الفاسدة فعل الخير ولا الحض عليه إلا اذا كانت سوف تجني من ورائه مصلحة شخصية وتسلك طريق النفاق والاذى بكل الطرق وجميع السبل خدمة لمصالحها الوقتية. 8 تعمل هذه الايدي على الإحجام عن ابداء ما يعتقدون انه صحيح حتى وان كانوا على يقين تام ان فيه منفعة للآخرين. ثم يسرد الدكتور الجهني الاثار المدمرة لوجود هذه الفئة التي سبق وأن أوضح لنا مواصفاتها: 1 تنامي ظاهرة الفساد المالي والاداري والمتمثلة في الرشاوي وأكل الأموال بالباطل واستغلال السلطة واهدار المال العام وابتزاز الخلق. 2 زيادة تعطيل مصالح المجتمع بجميع شرائحه بازدياد العقبات التي توضع في طريق اصحاب الحاجات والمصالح وحتى يخضعوا لأهوائهم الحقيرة. 3 وجود هذه الفئة القذرة من الفاسدين سوف يسهم في ظهور قرارات غير واقعية قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه وتضر بالكثيرين. 4 عملية الاصلاح التي تتبناها حكومتنا الرشيدة لا يمكن تسريعها بأي حال من الأحوال بسبب عدم التمكن من تحديد رؤية واضحة لمواقع الخلل وازالتها ما دام هؤلاء موجودون على كراسيهم بل إن وجودهم هو أحد أهم الاسباب في تأخر عملية البناء والتنمية في مفاصل القطاع العام والخاص. 5 على المنظور البعيد وجود هذه الايادي الفاسدة سوف يعمل على تشجيع الانحراف الاجتماعي والديني والثقافي بين مختلف شرائح المجتمع. 6 ازدياد حالة الشعور بالظلم والغبن بين جميع أصحاب المصالح والحاجات الأمر الذي قد يؤدي الى استغلاله وتطويعه الى غضب وحقد للهدم والتخريب. 7 أثار وجود هذه الايادي القذرة سوف يمتد ضرورة الى كافة شرائح المجتمع حاضراً ومستقبلاً اقتصادياً وثقافياً وعلمياً وفكرياً وتربوياً واجتماعياً. 8 حيث ان من أهم صفات هذه الايادي الفاسدة تجييرهم للانجازات المضيئة والموفقة الى انفسهم ويهضمون حقوق ملكية هذه الانجازات مما يولد الغبن لاصحابها الحقيقيين وعلى المدى القريب سوف يندثر لدينا المبدعين واصحاب الأفكار الناصعة والمفيدة. 9 لا ننزعج ابداً فيما لو اندثرت المفاهيم والموروثات الجميلة التي فطرنا عليها في ظل وجود هذه العناصر الفاسدة واخشى ان لا نتمكن من استعادتها في المستقبل لا قدر الله وهنا تكمن الكارثة. 10 القضاء على هذه الايدي الفاسدة سوف يعيد الثقة للكثير من الذين اكتوى بلظى سعيرها واعادة هذه الثقة مهم جداً خاصة واننا في خضم بداية عملية الاصلاح فاما نكون أو لا نكون. أما المقالة الثانية فهي للدكتور عبدالله بن صادق دحلان وهو خبير اقتصادي غني عن التعريف وأتوقع ان الايام القادمة ستضع اسمه في الاطار الصحيح والذي يتناسب مع صدق كلماته لاسيما انه صادق وابن صادق في توضيحه لأسباب ظهور هذه العناصر الفاسدة: 1 ضعف الوازع الديني والوطني لدى البعض من العاملين في مفاصل القطاع الخاص والعام أسهم وبشكل مباشر في افراز الكثير من التصرفات التي تخالف القيم والمبادىء الاسلامية حتى وان كان بعضهم تستروا وراء هذه المبادىء لكنهم لا يعملون بها وجعلوها حجاباً لأفعالهم القذرة ونشرهم للفساد بين من هم على شاكلتهم. 2 لابد أن نقر بغياب الكثير من التشريعات والتنظيمات التي تحد من قيام هذه العناصر الفاسدة مالياً وادارياً بممارساتها التي أضرت بالوطن والمجتمع والاقتصاد الوطني كاملاً. 3 ضرورة تفعيل نظام (من أين لك هذا؟) الذي وضعه المشرع والذي وضع من حوالي خمسين عاماً والذي كان يؤمل من خلاله البدء في حملة منظمة للقضاء على فيروسات الفساد والسرقة والابتزاز واستغلال السلطة. 4 الوضع أصبح خطيراً وأصبح الأمر مطلباً ضرورياً وشعبياً خاصة بعد اتساع رقعة العمل الاداري والمالي وتضاعف حجم القطاعات وتضخم عدد العاملين وتضاعف حجم المنشآت وأصبح موضوع الرقابة على هذا الكم الهائل أمراً غير ممكن بل هو مستحيل في ظل الامكانيات المحدودة للأجهزة الرقابية. 5 عدم تفعيل نظام من أين لك هذا؟ اضافة الى ضعف الأجهزة الرقابية وعدم مراقبة اثرياء الفجاءة أدى بالكثيرين الى الاقتداء باولئك الفاسدين الى أن اصبح الفساد هو الوضع الطبيعي وقد استشهد الدكتور عبدالله بمقابلة صحفية أجريت مع خادم الحرمين الشريفين أجرتها معه صحيفة الشرق الأوسط وكان هناك سؤال يدور في هذا المجال فقد أجاب يحفظه الله وبكل شفافية أن هذه الامور موجودة وأشعر بها وأعرف عنها الكثير لما يصلني من شكاوى وتظلمات ويعلم الله انها كم تؤلمني لكن ليعلم الجميع ان كل مسئول لديه تعليمات واضحة ومحددة في هذا الشأن والأجهزة الرقابية تقوم بدورها وبقدر المسئولية سيكون كل مسئول محاسباً أمام الله جل جلاله ثم أمام ولي الأمر (انتهى النص). ويستطرد الدكتور عبدالله بقوله ان هذا يدل دلالة واضحة واكيدة على رغبة الدولة في عملية الاصلاح ومحاربة الفساد وصناعه الذين أصبحت تلوكهم الالسن في جميع المجالس والمجتمعات وهذا لن يتحقق الا بتفعيل استراتيجية محاربة الفساد. اما الدكتور عبدالعزيز داغستاني رئيس مركز دار الدرسات الاقتصادية فقد كتب يقول أمران لا ثالث لهما أدى تفشي هذه الظاهرة أو هذا الداء العضال وهو ضعف الوازع الديني والحس الوطني والأمر الثاني هو ضعف أو غياب دور الاجهزة الرقابية. والمقالة الرابعة للكاتب المتميز علي سعد الموسى الذي أسهب كثيراً بامتداحه للخدمات الصحية والتي أعتقدنا انه يتكلم عن خدمات أخرى غير الصحة الا ان امتداحه لتلك الخدمات كان مدخلاً لاشادته بوزير الصحة الذي أشار انه اشجع وزير كونه الوزير الوحيد الذي كشف عن وجود حالات رشاوى في وزارته وسط مؤتمر صحفي كبير. والمقالة الخامسة والأخيرة فهي لاستاذنا الكاتب الندوي فهد بن محمد علي عزاوى فلقد اشار الى نقطة في غاية الاهمية وهي ان مجموعة صناع الفساد وجدت من يؤازرها عن محيطها ويتفق معها في مبادئها بل ويهيئون الأجواء الملائمة لصناعة هذا الفساد وتعمل هذه المجموعة بكل ما اوتيت من قوة بالتخلص ممن لا يتفق مع توجهاتهم ويطلقون عليهم بأنهم غير عاملين وغير منتجين ومتسيبين في أعمالهم حتى يقتصر الأمر على مجموعة منسجمة فيما بينها تربطهم صلة (الذبح والسلخ) والأخذ والعطاء والهدف واحد والمصلحة مشتركة ليقوم في النهاية ببناء مسجد بجوار داره ويتبرع بالمال السخي بقصد التباهي والتفاخر بالأعمال الخيرية ويجند من يسوق له هذه الصورة فأصبحت المناصب العليا اليوم تعطى ولا تمنح تعطى لمن يتوسم فيه التوافق والتكيف مع رئيسه ويساعده في توجهاته! فالقدوة الادارية والنزاهة الوظيفية مفقودة في اداراتنا ومؤسساتنا وما نسمعه اليوم عما يدور في أروقتها من ألوان الفساد يذهل العقل ويحبط النفس ويخيب الآمال فالسباق على المناصب أصبح سباقاً على الفساد ومن فكر في تحسين وضعه واشباع طموحه ينظر اليه انه يسعى لمضايقة زمرة الفساد ويكون عبئاً عليهم ويجب أن يحاط بسياج من الحديد وكل الامور تهون لدى زمرة الفساد. في مقابل استمرارهم في السير في طريق الفساد وصناعته. وأنا أرى والله أعلم ان كلما اشتدت صوت الرعد والمتمثل في هذا الكم الهائل من هذه المقالات والتي أصبحنا ننام على قراءتها ونفيق على عناوينها في سحب كثيرة أصبحت ملبدة في السماء أقولها بدون استحياء ليس لها إلا سحابة نايف هي التي سوف تمطر والباقي هتان وسلامتكم. (تعتيمة): ماذل عبدٌ أنت عنه تدافع فأنت الذي يدري خفي خواطري فإن رابني امرٌ قصدتك عائذاً وكل الذي قدرت لابد واقع