أبدى عدد من المواطنين والمحامين تذمرهم من طول إجراءات «القضاء» ومواعيد الجلسات في المحاكم، معبرين في الوقت ذاته عن استيائهم من معاملة بعض موظفي وكتاب المحكمة بمكاتب القضاة، وأكدوا أن نقص القضاة في المحاكم العامة أدى الى تكدس القضايا وزيادة المدة التي يحتاجها القضاة للنظر في كل قضية مما ينتج عنه تعطل مصالح المواطنين. وطالبوا مسؤولي القضاء بالعمل الفوري على إيجاد محاكم نموذجية تفي بالغرض والطلب، فضلاً عن توفير عدد كاف من القضاة في كل محكمة، مع مراعاة الفصل في القضايا الشرعية عن قضايا المعاملات والتجارة، مشددين على أهمية ومراعاة التخصص في تعيين القضاة للعمل على سرعة التقاضي وإنجاز المعاملات في وقتها الأمثل. جرثومة الواسطة وبين المواطن فهد العبدالله بأن الواسطة تغلغلت جرثومتها حتى وصلت إلى ملفات القضاء وأدراج السكرتارية, مبيناً أن قضيته وخصمه بسبب تأخر سداد مستحقات عقارية وصلت إلى (خمس) سنوات دون حل جذري ينهي معاناته . وأشار العبدالله إلى أن طول تلك المدة يعود إلى التفاوت الكبير بين مواعيد الجلسات التي وصلت في أطولها إلى (ثمانية) أشهر بسبب انتظار القاضي للخصم في إيجاد مبلغ لسداد مستحقاتي, وكذلك حصول القاضي على إجازته السنوية في أحيان أخرى مما يؤثر عليّ كمدعي في القضية, وازدياد المبالغ المتراكمة على المدعي عليه, وهو لا يزال يتملك عقاري بطريقة غير شرعية . إجراءات المحاكم وانتقد المواطن سعود الرشيدي بعضا من الإجراءات القضائية بالمحاكم ومنها صعوبة الحصول على مواعيد الجلسات في أوقات قريبة, مبينا أن قضيته وهي الطلاق أخذت عددا من الشهور وذلك لغياب طليقته عن حضور الجلسات في الشهور الأولى, مبينا أن عددا من زملائه المقربين بمقدرتهم الحصول على مواعيد لهم بسبب معرفتهم بسكرتارية القضاة داخل المحكمة العامة . ولفت الرشيدي إلى أن معاناته انتهت بعد جدل كبير وحضور طليقته برفقة ولي أمرها الذي «كان يتقاعس عن الحضور كيدا له» لتعطيله عن الزواج من امرأة أخرى – على حد قوله –, وهو ما شرحه لقاضي القضية . قلة القضاة و نوه خالد أسعد بدير إلى أن العديد من القضايا التي ينظرها بصفته ناظرا لوقف أحد العائلات الكبيرة بالمدينةالمنورة، تشهد جلسات في شهور متفرقة ومتباعدة، بسبب قلة عدد القضاة بالمحكمة، وعدم التزامهم بإنهاء قضايا الآخرين في أوقات محددة، مبينا بأنه لا يعلم سبب ذلك، إلا أنه يتوجب إنهاء تلك المعاملات والمصالح حتى لا يتعطل الآخرون بسبب قاض أو غيره في قضية لا تحتاج إلى أكثر من جلستين يمكن إنهاؤها في غضون شهر واحد. 13 سنة انتظار ويقول أحد المواطنين التقيناه أمام المحكمة العامة بجدة «قضيتي عبارة عن مطالبة مالية بدأت عام 1424ه والى الآن1433 ه ولم تنته بعد، وهي الآن في الجزء الأخير من القضية (حلف اليمين)ولكن القاضي متغيب منذ ثمانية أشهر ولم يتم تعين قاض بديل وعند المراجعة ( يقولون اصبروا ..اصبروا ) وفي العادة مثل هذه القضايا لا تأخذ إجراءاتها أكثر من سنة وأنا متضرر ولكن(مابيدي حيلة) 13سنة من المعاناة في المحاكم و أتكلم من واقع ملموس، وحقيقة نعاني من عجز كبير في عدد القضاة أغلبية القضاة ذهبوا إلى محكمة التمييز وتعطلت قضايانا. « وأكدت مواطنة حصولها على صك طلاقها وحريتها بعد معاناة استمرت ست سنوات وبعد انتهائها من مسلسل الطلاق بدأت في معاناة جديدة وهي الآن تطالب بالنفقة لأطفالها منذ سبعة أشهر ولا تعلم متى سيفصل في قضيتها . صك إعالة و شكا محمد اليامي (أحد المراجعين لمحكمة مكة الكبرى) من عدم البت في قضيته حتى الآن على الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات كاملة عليها، وقال»إن قضيتي لا يتجاوز البت فيها أكثر من عشر دقائق، فكل ما في الأمر أنني طلبت من القاضي منحي صك إعالة لوالدتي بحكم كبر سنها وعدم قدرتها على قضاء أمورها الرسمية دون مساعدتي المباشرة، لكنه فاجأني أولاً بالرفض لطلبي، وعندما ألححت عليه في مسألتي، طلب مني إحضارها، فوافقت لكنه حدد لذلك موعداً بعيداً، فرضخت على مضض وعلى أمل أن تُنهى قضيتي». وأضاف « عندما أحضرت والدتي وكبدتها مشاق المجيء إلى مقر المحكمة فوجئت بأن القاضي غير موجود بل إنه في إجازة رسمية، وأنا استغرب، كيف بقاض يمنحك موعداً ثم تفاجأ بأنه غير موجود»، وأكد اليامي أن مسلسل قضيته لم ينته حتى الآن فعندما طالب بتحويل قضيته إلى قاض آخر، فوجئ بأن مكتب القاضي الجديد يطلب منه كتابة طلب جديد وانتظار موعد جديد لا يعلم كيف سيكون وقته. للنساء نصيب وأشار المواطن عون الهذلي مراجع آخر إلى أن مشكلات تأخير القضايا ليست حكراً فقط على الرجال ولكن للنساء نصيب الأسد منها مبيناً إن زوجته ومنذ عشر سنوات لم تستطع محكمة مكة أن تفصل لها في قضية ميراثها الشرعي من والدها المتوفى»، وقال « كنا نعتقد أن مطالب المرأة مجابة ولا يتم تأخيرها أو التعقيد فيها، لكن ما شاهدته أنها تعامل مثلها مثل الرجل، بل إنها في أحيان كثيرة لا تستطيع أن تفعل أي شيء تجاه القاضي المسؤول عن موضوعها ولا تستطيع أن تطالب بتعديل موعد أو تقديمه مما يجعل البت في قضيتها يطول دون أسباب مقنعة أو ذات جدوى. وقال المواطن منصور الحربي: إن قضيته المرفوعة ضد جاره بسبب خلاف على أرض تجارية لاتزال منظورة بمحكمة الطائف منذ سنتين ، مبينا أن بعض المواعيد المتباعدة والتي تصل إلى ثلاثة أشهر بين الجلسات ، دفعه إلى الانتظار أشهر عدة دون الحصول على حقه بالحصول على الأرض التي يمتلك وثائقا تؤكد ملكيتها له قبل أن يتم الاعتداء عليها من جاره . ثلاثة أضعاف ويقول المحامي خالد أبوراشد: إن المحاكم بالمملكة بحاجة إلى ثلاثة أضعاف العدد الموجود حاليا ، وأبدى استغرابه من كون مدينة اقتصادية مثل جدة يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، لا يتجاوز عدد القضاة فيها الأربعين قاضيا. وأوضح أبوراشد أن مشكلة تأخر البت في القضايا تعود إلى عدة عوامل منها قلة عدد القضاة مقارنة بعدد القضايا التي تستقبلها المحاكم وكذلك تباعد مواعيد الجلسات والتي تصل إلى أكثر من ستة أشهر ، هذا بخلاف نقل بعض القضاة وتعيين آخرين مما يتطلب المزيد من الوقت للنظر في القضايا من جديد وكذلك الروتين المتعلق بالإجراءات داخل بعض المحاكم . وأضاف» في أوقات كثيرة يتحمل أطراف القضية جزءاً من المشكلة حيث يتغيب أحدهم عن الجلسات لمرات عدة بدافع التأجيل وكسب الوقت في قضيته وهذا سبب مهم لتأخير البت في القضية ، وهنالك سبب آخر يتعلق بطبيعة القضية مثل الميراث ، وكذلك وجود أحد الأطراف خارج المملكة وهذا الأمر يتسبب في تأخير البت في القضية إلى مواعيد متلاحقة .» زيادة القضاة وأشار أبو راشد إلى أن الحلول تكمن في زيادة عدد القضاة الحاليين ، وكذلك تسريع التعامل الإلكتروني داخل المحاكم وربطها بالجهات ذات العلاقة لتسريع النظر في القضية والبت فيها خلال زمن وجيز . وطالب أبوراشد المجلس الأعلى للقضاء بتسريع العمل في خطوات زيادة القضاة بالمحاكم وكذلك تفعيل العمل الإلكتروني لإ نجاز المعاملات والتي توثر سلبا على المواطنين والمقيمين المترافعين لدى المحاكم . إيجابيات ملموسة وأوضح رئيس لجنة المحامين بالمدينةالمنورة سلطان آل زاحم بأن نسبة (80%) من القضايا التي تشهد تباطؤا في إصدار الأحكام تعود إلى تفاوت القضاة في حسن إدارة المكتب القضائي هو السبب الرئيسي في تأخير إنجاز القضاة لمعاملاتهم, وكذلك الخصوم من خلال عدم التزامهم بالمواعيد, وجهلهم بمتطلبات الدعوى القضائية, أو أن تكون القضية موضوعها معقد ووجود أطراف خارجية بها . وأشار ابن زاحم إلى أن النقص في عدد القضاة واضح, مبينا في الوقت ذاته أن عملية تهيئة القضية ليست بالسهلة حيث بعض القضاة ينجز القضية بشكل سريع، ومنهم من يجهل العملية القضائية, لافتا إلى أنه في الآونة الأخيرة تدخلت وزارة العدل في تحسين المكتب القضائي عن طريق استخدام تقنية رسائل الجوال للحضور إلى جلسات المحاكم, وكذلك تدخلهم في المستشارين ومعاونين القضاة لتعجيل إجراءات القضية، مبينا أن التغييرات التي عملتها وزارة العدل حققت إيجابيات ملموسة في المكتب القضائي . تشدد غير مبرر وقال المحامي الدكتور عمر الخولي» إن النقص يعود لسوء إدارة مرفق القضاء السابق والتشدد غيرالمبرر في تعيين القضاة و انعكاس ذلك على عدد القضاة المعينين الذين يتولون الفصل بين الناس، مشيراً إلى أن النقص كان واضحاً لكن في السابق لم يجرؤ أحد أن يتكلم عنه والآن شعرت الناس بالمعاناة وهي معاناة ليس المتضررالوحيد منها المحامين فقط بل تطال كذلك الناس العاديين الذين لا يد لهم في هذا النقص . تراكم القضايا وأضاف الخولي «أن هذا النقص يترتب عليه تراكم القضايا وتأخير النظر فيها بمواعيد قد تبلغ الستة أشهر أو ربما أكثر علما أن مثل هذا التأخير يترتب عليه أحياناً تجميد ملايين الريالات كما في القضايا التجارية مثلا، بالإضافة الى أن هناك أشخاصا تطول الفترة التي يقضونها في السجون وتطول فترة بقائهم في السجن الاحتياطي، و تعتبر المملكة أقل دولة في العالم من حيث نسبة القضاة إلى عدد السكان , والآن فهناك مرونة ظاهرة وذلك بعدما تقلد الشيخ صالح بن حميد موقع الرئيس الأعلى للقضاء, فقد قام بإزالة الغمة التي كانت على صدر هذا المرفق ,وبدأ يزيد عدد القضاة لعلنا، إن شاء الله, نستطيع في خلال السنوات الثلاث المقبلة أن نواكب المعدل العالمي لأعداد القضاة في المحاكم.» كم هائل وقال طلال السقا:»من وجهة نظري أن أمر التأخير خارج عن إرادة القضاء فنحن لدينا عدد قليل من القضاة أمام كم هائل من القضايا مثل قضايا (صك الإعالة وحصر الورثة ‘و الأحوال الشخصية ,والحضانة ,والخلع ,والولاية وغيرها ) وهذه القضايا تأخذ عدة جلسات والموكلين أحياناً يلقون باللوم علينا لتعطل قضاياهم بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا فهناك قضايا لاتأخذ وقتاً ولكن نتيجة هذا النقص قد تأخذ القضية خمسة أو ستة أشهر وأحياناً أربع أو خمس سنوات فلو وفر عدد كاف من القضاء لن نحتاج الى هذا الوقت فالجلسات تأخذ فترات طويلة والحل هنا يكمن بزيادة عدد القضاة . عدم تفرغ وقال المحامي محمد القحطاني» إن قضية واحدة على سبيل المثال لا الحصر كقضايا الطلاق والحضانة تستمر من ستة أشهر إلى سبع سنوات دون أن يتم الفصل فيها، وكل ذلك بسبب نقص القضاة وعدم تفرغهم للبت في مثل هذا النوع من القضايا»، لافتاً إلى أن قضية نقص القضاة خصوصاً في مكة ليست وليدة اليوم، ولكنها من سنوات، والمعاناة ليست فقط منا نحن كمحامين ولكنها تمتد أيضاً لتطال المواطنين والذين يعدون أكثر المتضررين من هذا النقص غيرالمبرر. وتساءل لماذا لايتم فتح معاهد عالية للقضاة في كل مناطق المملكة لتخريج القضاة وتأهيلهم، وحتى يتم سد الفراغ كل حسب حاجته من القضاة والمحققين، وقال « عندنا في مكة فقط أكثر من أربعين إلى خمسين ألف مواطن، فهل يعقل أين يتم تقاضي هذا العدد إلى ثلاثين قاضيا فقط»، مؤكداً أن فتح معاهد للقضاة واستقطاب خريجيها سيخفف كثيراً من الأعباء المناطة بالقضاة الحاليين. عزوف عن المهنة وقال المحامي رشاد الزهراني: «إن نقص القضاة واضح للناس وحتى وزارة العدل بنفسها أقرت في أكثر من تصريح بهذا النقص ومن المؤكد أن هذا النقص يؤثر على إنجاز القضايا في طول التأجيل فالقضية البسيطة التي يتوقع الشخص أن تنجز في شهرين أو ثلاثه أحياناً قد تستغرق سنوات،ممايؤثرعلى عمل المحامين لدرجة أني أعرف أشخاصا عزفوا عن مهنة المحاماة بسبب التأخير وطول المواعيد «,مشيرا إلى أنه من الأفضل أن يتم تعيين قضاة معينين مختصين بقضايا الإنهاءات حتى تساهم ولو بشكل قليل في التخفيف من عبء القاضي والتخفيف من ازدحام القضايا وكذلك تدريب معاوني القضاة ( الكتاب ) ليكونوا ملمين بالقضاء حتى يسهموا في التخفيف، وأيضاً لابد من توفير مبان إضافية لوزارة العدل حتى تستوعب عددا أكبر من القضاة . محاكم نموذجية و صادق مساعد القاضي في محكمة مكةالمكرمة يحيى الوادعي على فعلية النقص الكبير في عدد قضاة مكة وتأثير ذلك على المراجعين والمراجعات من المواطنين والمواطنات، وقال « تتأخر قضايا كثيرمن المواطنين رغم أنها لاتحتاج إلا لتوقيع أو مصادقة فقط على القرار، وهذا عائد بالطبع لقلة القضاة، وعدم قدرتهم على استقبال معظم القضايا»، مشيراً إلى أن غالب القضايا التي تتأخر عن الإصدار تتمثل في حالات الطلاق والخلع والإنفاق والحضانة.وطالب مسؤولي القضاء بالعمل الفوري على إيجاد محاكم نموذجية تفي بالغرض والطلب، فضلاً عن توفير عدد كاف من القضاة في كل محكمة، مع مراعاة الفصل في القضايا الشرعية عن قضايا المعاملات والتجارة. حلم صعب و بينت مصادر مطلعة بالمحكمة العامة بالمدينةالمنورة أن عدد القضاة الحاليين بلغ (24) قاضيا متفرقين على الدوائر المختلفة في حين تحتاج منطقة المدينةالمنورة إلى (480) قاضيا حسب نسبة التقاضي الدولية التي تنص على أن لكل (100) ألف نسمة ثلاثين قاضيا، فيما أكد مصدر قضائي في المحكمة العامة بجدة أن عدد القضاة الموجودين في محاكم جدة 26 قاضيا مطالباً بتوفير أكثر من ضعف هذا العدد كتعيين ستين قاضيا أو أكثر مشيراً إلى أن ذلك يعد حلما صعبا وأعرب عن أمله بتوفير قضاء متخصص للمساهمة في التخفيف من القضايا.