يُرْوَى أن الإغريق كانوا يضعون تماثيل صغيرة جميلة تتصف بالتناسق والتناسب بين تفاصيلها في غرف النساء الحوامل على أمل أن يلدن أطفالا جميلين. وتفسير هذا أنهم كانوا يؤمنون في أن تأملَ الأمهاتِ في التماثيل حولهن، وبالتالي تخزين صورها في ذاكرتهن، قد يحدث تأثيراً جمالياً تحويلياً على الأجنة فتأتي إلى الوجود مواليدَ جميلة كتماثيل.بصرف النظر عن نصيبها من الحقيقة أو الخرافة، إن هذه القصة تستبق وتمهد لظهور الصورة كواحدة من أهم وسائل الإيصال وأقواها تأثيرا على الإنسان في الزمن الحاضر.نقول دائما إننا في عصر الصورة ونحن بالفعل كذلك، فالصورة تلعب دورًا هائلا في نقل الحقائق والمعلومات المرئية مباشرة وغير مباشرة، وفي تشكيل الوعي والتأثير على العواطف والمشاعر. وتولد الرغبات في الأشياء أوتذكيها. الصورة تبني وتهدم؛ تدين وتبرئ، تغري وتُنَفِّرْ، تُفْرِحُ وتُحْزِنْ، تُضحكُ وتُبْكي، تطرد وتجذب. باختصار، لا يمكن الإحاطة بكل ما يمكن أن تقوم به الصورة.الصورة أقوى تأثيراً في نشر»العدوى» بالجمال من صور تماثيل الإغريق التي لا يمكن التحقق من صحة فعاليتها وقدرتها على إسباغ الجمال على الأجنة، أو بالتعبير الأكثر دقةً لا يمكن تصديق أنها تفعل ذلك. إن صور الجميلين والجميلات التي تنثال على الناس على مدار الساعة وتحاصرهم من مصادرعدة، تُسَوِّقُ الجمال بنوعيه الطبيعي والمصنوع، بتقديم ملكات الجمال ونجوم السينما والدراما والغناء والأزياء أيقوناتٍ وأمثلةً عليا للجمال. وهذا من شأنه أن يُوَلِّدَ في نفوس الآلاف، بل الملايين، من المستقبلين لتلك الصور مشاعر الإحساس بالنقص، أوالقبح، والتقليل من احترام الذات، انتهاء عند الرغبة المؤرقة في ترميم الذوات المتصدعة قلقاً بالسعي إلى اكتساب الجمال بإعادة تشكيل الملامح ونحت الأجساد وفق مواصفات ومعايير الجمال التي تنشرها وتكرسها تلك الصور. تتنوع وسائل وأساليب تغيير ملامح الوجوه وتفاصيل الأجساد المُسْتَبْطَنُ الشعور بدمامتها وترهلها، أو صغرها في بعض الأنحاء، وتضخمها في أخرى. الماكياج أول الوسائل وأيسرها توفيرا وأسهلها استعمالا، لكن فعاليته قصيرة الأمد، ولا يستطيع إعادة مشاعر الثقة والطمأنينة والاحترام المفقودة بتحويل وجوه الطامحات والطامحين إلى الجمال المثالي إلى نسخ من وجوه تلك الأيقونات والنجوم المتلألئة في سموات الشهرة والثراء. هنا يقدم جرّاح التجميل نفسه ملاذاً ومنقذاً من مأزق الحيرة والتياهان، فَيُدَلِّي أمام أعين الزبونات (الزبائن) الزائغة إعياءً قائمةَ خدماته وعملياته التجميلية، مُبدياً استعداده لتلبية رغباتهن، بأن يمنح لهذه شفاه أنجلينا جولي، ولتلك أنف نيكول كِدمان أو شارون ستون، ولأخرى عيون كارمن إلِكترا أو ذقن كورتني كوكس أركيت. لكن من المحتمل أن يفاجأ ويندهش هذا الجراح عندما تمد إليه إحداهن صورة لشخصية كارتونية، طالبةً منه أن يغرس في حقل وجهها ملامح تلك الشخصية. هل بالفعل أصيب بالدهشة الطبيب الروسي الذي طلبت منه الشابة كريستينا راي أن يحقن شفتيها بمائة حقنة من السليكون لتصبح كبيرة مثل شفاه شخصيتها الكرتونية المفضلة جيسيكا رابيت، ولتفوز بلقب صاحبة أكبر شفاه في العالم؟ كريستينا إحدى ضحايا إعلانات التجميل التي تعد النساء والفتيات، المحبطات اليائسات بسبب دمامةٍ تُوهِمُ بها إعلاناتُ ترويج الجميلات، بأن تضعَ أقدامهن على السجاد الأحمر الممتد إلى فردوس الجمال المنشود. كريستينا حالة موغلة في الطرافة والغرابة والتطرف في تأثرها، سواء بالصورة الكارتونية أو بإعلانات التجميل كما تصرح في حديثها للصحافة. والسؤال الذي لا أستطيع سوى أن أطرحه في هذه اللحظة: ماذا لو أصبحت كريستينا قدوة لغيرها من الفتيات المراهقات والشابات أو الشبان، فأقبلوا على عيادات التجميل، وكل واحد يرغب في أن يصبح مثل هذه الشخصية الكارتونية أو تلك؟ ربما تكون غير بعيدة الأيام التي سيرى الناس فيها الكثير من أشباه الشخصيات الكرتونية تمشي بينهم على الأرض إلى حد فقدان القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، والوهم والواقع. لو حدث هذا ستبدو قصة الفتاة سيندي جاكسون، من ولاية أوهايو الأمريكية، أقل إثارة للتعجب والاندهاش، رغم خضوعها لما يزيد على عشرين عملية تجميل جراحية لتحول نفسها إلى الدمية باربي الحية. فتاة تتحول لشخصية كارتونية، وأخرى إلى دمية من لحم ودم، وامرأة تطلب أن يُكَسى وجهها بملامح قطة.. وماذا بعد؟! أمر طبيعي أن ينشأ عند بعض الناس نزوات ورغبات في أعلى درجة من الغرابة، وقد يكون لديهم الإمكانات المادية لتلبيتها. لكن ألا يتحمل من يسهل لهم تحقيق رغباتهم مسؤولية أخلاقية عن ذلك؟ هل يستمر الطب التجميلي في كونه كذلك عندما يؤدي إلى إنتاج القبح والبشاعة والشذوذ في الأشكال؟ متى وأين تنتهي حدود حرية الطرفين؟