لم أعرفه في البداية، قال أنا نبيل. تغيَّر الرجل عليّ كثيراً. كان المجلس في مونتريال يضم خليطاً متفرقاً من السوريين يضمهم شيء واحد؛ أخبار الوطن، والألم الشديد على ما يحدث، والحنق الأفظع على ما حدث. قالت سيدة نريد أن نسمع أخبار مَن قضى عمراً في السجن، مثل الأخ محمد الذي بقي في المنفردة عشر سنين عدداً لم يرَ فيها الضوء. علق نبيل أما أنا فبقيت عشرين عاماً في السجن على الشبهة. ليس ثمة إدانة إلا الشبهة. قال كان نصيبي خمس سنين في سجن المزة العسكري وخمس عشرة سنة في سجن تدمر. شهق القوم لأنهم يعرفون ما معنى سجن تدمر! خمس عشرة سنة دون زيارة واحدة من أهل ومعارف، يُضربون يومياً بأكثر من وجبات الطعام. كان العذاب يُصبُّ صباً من فوق رؤوسهم والحميم. قال كانت وجبات الإعدام في الأسبوع الواحد مرتين وثلاثاً. في كل وجبة يقضم النظام مئات الأرواح إلى عالم الأتراح. كانت البلدوزرات تحفر حفراً في الأرض يوماً قبل حفلات الإعدام، في انتظار الضيوف الجدد إلى العالم الأخروي. وكانت المشانق الثلاثية تُنصب بالعشرات. قال كانت هذه هي أدواتهم مثل أدوات الحلاق والنجار والقصاب يجمعونها إلى يوم الحفلة الكبرى والشنق بالجملة. ضحك بمرارة وهو يروي، قال يمكن أن تتصوروا أي شيء، وتمضي بكم المخيلة إلى أي حد من جحيم دانتي. نحن بالتأكيد كنا في جحيم أفظع من جحيم دانتي. هو كتبها أما نحن فعشناها. من أعجب ما روى لي ثلاثة؛ الأول حفلة الحلاقة. قال كان اسمها حلاقة ولكنها كانت جزارة فعلية يشرف عليها قوم جهنميون من العتاة، يمسكون بالأدوات الحادة بحجة الحلاقة فيكشطون الجلد، ويسلخون الفروة، ويقصون الشفاه والحواجب والعيون وهم يضحكون ويتغامزون. قال كان يوم الحلاقة دوماً بضحية وأكثر. يتابع نبيل، يبدو أنهم قرأوا قصة مونت كريستو وكيف هرب من السجن بكفن ميت. لقد شاهدتهم وهم يحضرون الجثث ثم ينهالون عليها ضرباً بأعمدة الحديد. نعم على الجثث الميتة فلعل هناك مَن لم يمُت بالشنق. قال لا يبقى عظم دون حطام، ولا ضلع من دون تكسير، وعضو في البطن من كبد وطحال دون تمزيق. يفعلون هذا وهم يضحكون ويتمتعون. قال: الليل كان مرعباً لأنه يجب أن ننام من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً، دون إيماءة وكلمة وحركة، على جنب واحد. انحصر أحدهم فأراد الخروج إلى دورة المياه. قال أمره العسكريُّ بأن يتناول مخلفاته البشرية عفواً من الكلام. قال نبيل صاحب سجن العشرين عاماً يمكن أن تتصوَّر كل شيء من العذابات، ما لا يخطر على بال إبليس ذاته! هل نعرف لماذا انفجرت الثورة في سوريا؟