من الكتب ما تندم على قراءته، ومن الكتب من يشدك من أول سطر إلى آخر جملة، ولا تريد تركه إلا لغشاوة في البصر من إجهاد العينين مع دموع تعيق الرؤية. كان هذا نصيبي من قراءة كتاب (القوقعة) لرجل مسيحي (خليفة) جره حظه العاثر أن يسجن 13 سنة في سجن تدمر بتهمة أنه من الإسلاميين! فيحبس في قوقعة بين جدارين من المتشددين في داخل السجن، وثغرة في جدار المهجع مكنته من رؤية حفلات التعذيب والإعدامات في ساحات سجن تدمر الرهيب. شدني الكتاب وفي ساعات قرأت 250 صفحة من أصل 375 صفحة. قرأت أساليب التعذيب الجهنمية وعن حفلات الإعدام والإذلال والضرب المتواصل على مدار الساعة، وكيف أن حفلة التعذيب الأولى أخذت ثلاثة منهم إلى الموت تبعهم بعدها عشرون، وبقي هو في غيبوبة ستة أيام وآخر مدة شهرين فكتبت لهما النجاة على يد طبيب. كتب الرجل يصف سجن الموت وكيف حكم بالإعدام على ثلاثة هم أولاد أب خيَّروه بموت ثلاثة من أربعة هو أحدهم فتبرع بالحياة للصغير ولكنهم أعدموا الأولاد الثلاثة وأبقوه حتى كاد الرجل أن يفقد عقله. رأى حفلات أحكام الإعدام توزع في محاكمات شكلية تأخذ دقيقة، على يد لجنة تأتي كل يوم اثنين وخميس فترسل إلى الموت دفعات من خيرة الشباب السوري. قال كانت مشانق طيارة تنصب لثمانية فتلتهم وجبة خلف أخرى. أعجب ما ذكره الرجل كيف أن الجثة المعلقة كانت تضرب مثل كيس الملاكمة وهي جثة. ذكر معجزة كيف أجروا عملية زايدة لمريض وقلع أسنان لآخرين بطرق ومواد وأجهزة اخترعوها من أشياء بسيطة. بلغ عجبه الذروة عن أناس عاديين تحولوا إلى ساديين وطبيب السجن يقتل من زملاء دورته بسر لم يفهمه. وذكر عن ذلك التحول النفساني العميق لضابط يصفر لونه ويتقيأ ويمسك رأسه بيديه حين يرى حفلات الإعدام ليتحول بفعل العادة بعد أشهر إلى منفذ ولاعب بالجثة بضرب البوكس. عجيب هذا الإنسان أليس كذلك. «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا».