فلا تتوتر لأن الزمن خذلك فإما أنك سبقته أو تأخرت عنه فلم تجد لجهودك تقديراً، ولمنافحتك صدى. واترك الكتابة لأهلها من المترددين الذين دفعهم إليها العي ونقص البلاغة. وانصرف، أصلحك الله، إلى الخطابة المسترسلة فلقد بلغت في الفصاحة شأواً يتقاصر دونه سحبان بن وائل. ومثلك يندر وجوده فلا خير فينا إن لم نتباهَ بك وقد صرت لنا الصوت المعلى والحنجرة الصاخبة في كل قناة مهما كانت لغتها أو موضوع نشاطها حتى ليظن الجاهل أنك مستنسخ أو أنكم إخوة من التوائم غير مدرك لمعنى الصلابة ووافر الجهد وشدة الحرص والإخلاص. أعلمُ أن مبغضيك وحاسديك لن يوقفوا مسيرتك ولن ينالك السوء وقد أبعدت من لجنة المناصحة لأن طاقتك تبزهم والأقرب أنك سددت أبواب ضلالهم فكنت واحدا بألف. فامض، عافاك الله، إلى القضاء على الليبراليين والعلمانيين والكتبة الجاهلين واغمد لسانك في إعوجاجهم ليهتدوا، واصرخ فيهم ترعبهم ومن خلفهم فيخمد حسهم وتنطفئ نارهم. وأعلمُ أن أفكارك تتدفق فلا تستطيع لها منعا، وتتدافع فلا تتمكن من جمعها فيحسب الغاوون ذلك ارتباكا وتداخلا غير عالمين أن العبقرية يحدها اللسان، وأن فيضها يفوق فهم البشر. وأعلمُ أن تنوع نشاطاتك كان رحمة وسعة فتركت للآخرين فسحة في الكتابة، ولفريق آخر منفذا صغيرا للخطابة، وللأكاديمين نافذة للإشراف على الدراسات والرسائل بعد أن طالت إمكاناتك في الإشراف عليها آفاقا بلغت حتى جامعة “كولومبس” الشهيرة ذات السمعة العطرة. وأعجب وغيري من وظائفك الكثر ومهامك المتعددة التي تنازلت عنها تباعاً خشية الفخر فأنت سيد التواضع، عدو الادعاء والخصم الشرس لكل ما يبعدك عن العلم وطلبه. كان ردك تأديباً وإرشادا فأنت من يفهم السلفية وأصولها، والسياسة ودروبها، وتدرك خفايا الاقتصاد، وتحرس أبواب العلم. ولو كانت الأمة تعرف خيارها لكنت جيشها وعلماءها وإعلامها ومصدر متعتها وفرحتها لكنه زمن خؤون فلا تبتئس ستذكرك الأجيال القادمة. وإن لم يستطيعوا أن يثنوا ركبهم بين يديك فثق أنهم سيسهرون الليالي يتدارسون مداخلاتك الفضائية، ويستذكرون، بالحنين، تعليقاتك الفريدة، ويجهشون بالبكاء لخسرانهم صحبتك ومجالستك.