فدينا.. لو بهذا القلب يفدى وأهدينا.. لو أن الروح تهدى وأرخصنا النفيس وكل غال وأدينا الصبابة ما يؤدي رضينا بالقليل ولن نعلل به فالصبر بعد اليأس أجدى وخفت بيننا الأشواق رسلاً وطارت بيننا الأشجان بردا وأدت عن جوانحنا التحايا كأنفاس الربي روحا وبردا أتذكر إذ قطعت عليك عهدا؟ وكم قطعت بعد البين عهدا سنرعاكم على رغم الليالي ونحفظ عهدكم قرباً وبعدا ولن نرضى بكم أبداً بديلا وكيف.. ولم نجد شبهاً وندا د. عاتكة الخزرجي في هذه المقطوعة تنازل عن كل ما يغليه الإنسان المحب في سبيل محبوبه، إما الفداء.. وإما الإهداء، فإن كان الفداء فهو درء لشيء لا يحسه إلا المحبون الذين تاهوا في فلوات العشق وساروا على خطى المجنون، مجنون بني عامر، بحثاً عن طيف أي حيوان أنبس أو طائر أليف يذكره بليلى.. وأما إن كان هدياً فهو تنازل عن حق.. بل عن كل الحقوق في طلب الرضا، وهو علامة الصفح، فإذا كان المهدى هو الروح فلا يعادلها أي شيء سوى التضحية من أجل هدف نبيل، وإن لم يكن فداء ولا هدياً فإن البيع هو المهر الذي يتقاصر دونه كل غال ونفيس عندما يحاول المرء، فإن الفؤاد أغانٍ ما يجب أن يسلمه عن رضا وطيب خاطر. إلا أن هذا الإهداء أو الفداء أو التنازل ليس إلا بوابات للدخول إلى عالم الحقيقة التي يفصح عنها القلب وينطقها اللسان؛ لأن المحب يرضيه القليل من التجاذب بين الأرواح، فإن لم يتيسر هذا ولا ذاك فإن الصبر هو الملاذ. هنا تبرد حرارة الشوق الذي كان ملتهباً، يكفيه أن يسمع رداً على خفقان القلب، ويرى رفة عين تنبئ عن الرضا، ألا يكفى أن يلتقي المحبان فيتبادلان التحايا، فحمل إنعاشهما أريج أشواقهما؛ لأن أنفاس العشاق لا تقل انتعاشاً عن أنفاس خمائل الرياض المعشية في أيام الربيع إذا لامستها حبات المطر، وهنا تعود المساءلة بينهما، لن يتذكر كل واحد منهما أشواقه وهمساته وكلماته العذاب التي يرسلها إلى رفيقه الذي لا يقل عنه أشواقاً ولا همسات ولا في كلمات الغزل التي صارت الرباط الذي لا يراه الآخرون كالخط الوهمي على أمواج اللجج المتلاطمة؛ لأن فيها عهوداً ومواثيق لكن هذه سمة المحبوب فإنه يَعِد ويخلف ويعاهد وينكث، ورغم كل هذا تنطق الشاعرة على لسان العاشق الولهان: سنرعاكم على رغم الليالي ونحفظ عهدكم قرباً وبعدا ولن نرضى بكم أبداً بديلا وكيف.. ولم نجد شبهاً وندا مهلاً علينا يا دكتورة عاتكة، لقد أطرت ما بقى من النعاس في الجفون، ورفعت حرارة القلوب من شدة الوجيف، لكنني لا ألومك، وخصوصاً بعد ما قرأت قولك في مكان آخر: حديثك في الحب ما أعذبه رقيق كسمرتك المذهبة! ترف حواشيه حول الفؤاد وليس لها غير أن تجذبه فأنت معي رغم كل الحدود وأني منك على مقربه وفيك انطوى كل معنى الوجود فلله معناه.. ما أطيبه بوجهك ماء يبل الصدى وروح لأعصابي.. المتعبة أيتها الشاعرة العاشقة، إنك لم تتركي للعشاق ما يقولونه بعد أن قدمت كل ما يحاول العشاق أن يخفوه عن الناس قولاً أو رسماً أو صورة؛ لأنك أنت القريبة البعيدة، وأنت الشقية السعيدة، فقد رسمت للعشاق أجمل وأعذب صور الغرام وكلمات الغزل، فلله درك من شاعرة معجبة معجبة.