لم تستطع المبتعثة مزنة في أمريكا الحصول على كمية الهروين التي تستخدمها لأن المكافأة لم تعد تكفي؛ فذهبت لغرفة شقيقها المرافق معها فوجدته ميتاً على الأرض من جرعة زائدة فلم تبال به وذهبت تفتش جيوبه؛ لكنها للأسف لم تجد شيئاً؛ ولأن الملحقية لا تراقب الطلبة ولا تحاسبهم فقد خرجت للشارع لممارسة الدعارة لتكتشف بعد شهر أنها مصابة بالإيدز. ما سبق هو من نسج خيالي وليس قصة حقيقة. ربما قرأ بعضكم أو شاهد مقطعاً مشابهاً لهذه القصة التي أوردتها هنا بسبب ظهور حملة شرسة في الآونة الأخيرة هدفها تشويه سمعة الابتعاث والمبتعثين من قبل بعض الوعاظ الجهلة الذين لا يدركون خطورة كلامهم كون ما يتفوهون به لا يمكن أن ينفذ إلى عاقل وواعٍ بل إنه دائماً ما يستقر في عقول الطبقة غير المتعلمة والجهلة. القصص الخرافية وغيرها من الأساطير التي يتناقلها هؤلاء الوّعاظ في مواقعهم في المنابر والإنترنت هدفها وقف الابتعاث، فقبل عام ظهر مجموعة من الوعاظ يقولون أن %80 من المبتعثين يتعاطون الخمور في بريطانيا. قال لي أحد المبتعثين حينها إن والدته اتصلت به في مقر بعثته مما أثر استغرابه؛ كون الابن دائماً ما يبادر بمكالمتها كل يوم جمعة.. كان صوتها ممتلئاً بالحسرة وهي تبكي قائلة إن أحد المشايخ يقول «إنكم راح ترجعون دشير بسبب الخمور والمخدرات»! قبل أسبوع طالب أحد هؤلاء الوعاظ بفحص المبتعثين للكشف عن المخدرات في المطارات عند عودتهم للسعودية! مشكلة هؤلاء الوعاظ أنهم يزورون بلدان الابتعاث لأيام ثم يعودون وعلى أمتعتهم قصص غريبة وعجيبة لم يسمعها أو يشاهدها المبتعث بنفسه. شخصياً أمضيتُ أكثر من ست سنوات في أستراليا لدراسة الماجستير والدكتوراة ومعي زوجتي التي كانت أيضاً تدرس ولم أصادف طوال مدة البعثة مثل هذه القصص؛ بالرغم من معرفتي بالأصدقاء في الملحقية وبعض الزملاء في السفارة. كثير غيري يتعجبون من خرافات هذه القصص التي إن حدثت فإن المبالغة في النسبة هو ضرب من الجنون! فإذا يظن الوّعاظ أن خطر الابتعاث هو العودة بإدمان الخمور والمخدرات فأين هم من محاربتها في البلد لشبان وشابات لم يخرجوا خارج سور السعودية؟! نحمد الله أن هناك مشايخ عقلانيين أمثال الدكتور عبدالعزيز المنيع الذي فند كلام هؤلاء الوعاظ بأنه بهتان وعدوان. إن أهم التغيرات الجوهرية التي حدثت في البلاد هو فتح باب الابتعاث للخارج منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، الأمر الذي بسببه تطورت الدولة عبر إيجاد جيل قيادي واع وعلى قدر كبير من العلم والمعرفة والمسؤولية. وظهر فريق متحصن ليس بالمعلومة وحدها بل أيضاً بسلوكيات التطوير والإبداع وخير دليل هو ما حدث الأسبوع الماضي في تكريم الأستاذ عبدالعزيز المنقور الملحق الثقافي في أمريكا خلال الفترة من 1961 إلى 1977 من قبل الطلبة الذين كانوا يدرسون في تلك الفترة، حيث كان معظم الحضور من الأمراء والوزراء الحاليين والمتقاعدين وكبار رجال الدولة وأساتذة الجامعات الذين يمثلون الأركان الرئيسية في رسم خطط ومستقبل السعودية الباهر. يخطئ من يظن أن الابتعاث موجه لأجل الحصول على ورقة مزخرفة مقاس A3 عليها ختم الجامعة الذهبي من الأمام وختم تصديق الملحقية الثقافية من الخلف! لم تكن سياسة الابتعاث مرسومة لأجل العلم وحده؛ بل سلوكيات التعايش مع المجتمعات المتطورة وفهم أسلوب الحياة الراقي سبب آخر.. وفي نظري الشخصي أن الابتعاث يحمل معنى أول ثلاثة حروف مختصرة للمملكة العربية السعودية باللغة الإنجليزية KSA فحرفK يعطينا المعرفة Knowledge وحرف S يعطينا المهارات Skills وحرف A يعطينا السلوك Attitude..هذه الثلاثية هي المكسب الحقيقي من الابتعاث ووجودها مع بعض يعطي نضجاً وإلماماً للمبتعث في الحياة. نحمد الله أن محاولات الحصار الإيديولوجي الرخيصة التي يقودها بعض المتطرفين فكرياً وبعض الوعاظ الجهلة ضد الابتعاث لن يكون لها صدى في مجتمعنا ولا لدى المسؤولين.. فسياسة الملك عبدالله (حفظه الله) في تمديد الابتعاث لخمس سنوات قادمة يعطي دلالة ومؤشرا على أن الدولة لن تلتفت لمثل هذه الهرطقات وهي تعرف أيضاً أنه وإن حدث ما يُسيء فهو بنسبة ضئيلة أو حالة فردية لا تستحق وقف الابتعاث أو حصره على فئة عمرية محددة أو للرجال دون النساء.. الابتعاث كان ولا يزال بوابة المبدعين السعوديين لكسب المزيد من العلم والمعرفة؛ وأي محاولة لوقف الابتعاث هي محاولة لإعلان إقالة العقل وإلى إلغاء التطور والازدهار في بلادنا الغالية.