من تجربتي الطويلة مع «طلب الكمال»، الكمال في المثالية، الكمال في الوعي، الكمال في تقمص الشعارات والمبادئ والكمال في كل شيء يُعد من محاسن الأمور، توصلت لنتيجة مؤسفة لكنها هي الحقيقة، وهي أن الحلول ليست إلا «أنصاف الحلول». كانت الحلول قريبة من الكمال حين كانت الحياة بسيطة في مكوناتها ومؤثراتها، أما الآن فمن يطالب بالكمال الشخصي أو الحياتي فهو إما غبي أو مصاب بحالة فصام اجتماعي! الوسيلة الوحيدة لاستمرار حياتك والاحتفاظ بمبادئك هي ممارسة العيش حسب نظرية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه». سبق أن قرأت مقولة لأحد الأدباء الغربيين كان يناقش فيها فكرة «الكمال»، فقال: كل إنسان في هذه الحياة يهتم بهواية أو موهبة ما سيصل في لحظة إلى مفترق طرق يختار فيه إما كمال الحياة وإما كمال العمل الذي يهتم به! لأجل كل ما سبق عليك أن تدرك أن شخصيتك مكونة من طبقات تماماً كحبة الفاكهة، قشر وتحته مادتها التي تحقق قيمتها ثم بذورها التي هي أصلها. قد تجف الفاكهة وقد تفسد وقد يأكلها أحدهم ولكن البذرة ستبقى بكامل فاعليتها قابلة لاستئناف الحياة من جديد. هناك أفكار أصلية وقناعات أصلية تدور حولها حياتك وهي التي تحدد نجاحك أو فشلك، منها على سبيل المثال أن تصنع عقلك الخاص وأن تكون مستقلاً في تفكيرك وفي مقومات حياتك المادية، وما عدا ذلك فكله تفاصيل تستطيع إعادة تخطيطها بطرق مختلفة حسب ما يحيط بك من ظروف. حين تفقد الشعور بنفسك ككائن لا يشبه غيره فأنت حينها لن تعني إلا ما يحيط بك، فستستمد منه قوتك وذاتك وشخصيتك، وطالما أن كل شيء حولك قابل للانهيار وهي سنة الحياة فهذا يعني أنك كائن هش يقف في مهب الريح وقد يفقد ذاته في أي لحظة! السر الوحيد وراء الشخصيات القوية والصامدة عبر التاريخ أن أصحابها يشعرون بأنفسهم على نحو صحيح بغض النظر عن كون تلك الشخصيات شخصيات نبيلة أو دنيئة، لكن أصحابها يعرفون فعلاً ماذا يريدون من أنفسهم! وحين تعيش حياتك بالتقليد والمحاكاة للآخرين فأنت قد قرَّرت أن تلعب دور الظلال لا أكثر!