رمضان زيدان الكلمة الطيبة وحسن الخلق ومكارم الأخلاق ضالة الإنسان أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، وهذا القول العربي الجليل يرشدنا ويدلنا على إقرار العمل الطيب والقول الصالح والتوجه السوي وتأصيله لدى الآخر للأخذ والعمل به. وعند الجاهليين من العرب القدامى عادات حميدة، أثنى عليها وحض على استمرارها لتتأكد بذلك شمولية المنهج الرباني في الأخذ بكل ما يدعو إلى خير البشرية ونبذ الشرور والمفاسد لدى المجتمع الإنساني المستخلف في الأرض. وفي هذا المثال التاريخي عبر تواتر سير الأولين ما يؤكد ذلك المعنى. إن التوجه البشري قد ضل والفكر الإنساني قد اعتل حينما صارت هناك تفرقة بين أبناء المجتمع الواحد على أساس جنس أو عرق أو نسب (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى التي عني بها الإسلام تقوى القلوب والمضمون والتقوى التي تحض على التوجه إلى الله بالعمل وكسب الأرزاق وعمارة الكون (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) وللشعائر التعبدية جانبها الإيجابي الصحيح ألا وهو الجانب العملي لتلك العبادة بالعمل النافع الهادف الذي يجعل من العنصر البشري عنصراً عاملاً منتجاً أكثر منه عنصراً خاملاً مستهلكاً لكل شيء من حوله والداعي لذلك كله هو ارتقاء الفكر البشري لتصحيح المسار الإنساني للوصول إلى غاية أمتنا الشماء لتتبوأ مكانتها تحت الشمس. من هنا كان لزاما أن يكون هناك منهج تربوي يأخذ بالنفس البشرية إلى جادة الطريق كي تصبح بعدها في أفضل أحوالها على الإطلاق ومن أولويات العمل التأثير والتأثر فيمن حولنا أي أنه على العنصر البشري أن يتبع الخطوات العملية للتغيير بمراحلها التسلسلية في خطوط متوازية لتطبيقها على نفسه وعلى من حوله ممن يخالطهم ليعلم من خلال تعامله مع الآخرين مقدار صبره وتحمله لهم فالذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم فمن أين لمن يعتزل الناس أن يدرك إلى أي المراحل قد وصل وعلى أي درجة في التغيير قد حصل؟. إن الإحساس التام والشعور الكامل لدى الإنسان بدوره في الأرض والتبعة الملقاة على عاتقه تجعله في أتم حالات الاستعداد القصوى للتغيير الإيجابي لحمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فعندئذ يكون قد اكتمل بناؤه الفكري في قناعة كاملة بهذه التكاليف والواجبات التي ألزمه الله بها ومن ثم يكون هذا الانسجام الكلي بين المخلوق المكرم وبين نواميس الوجود كي لا يكون هناك انفصال أو انفصام في وحدة الغاية بينه وبين تلك النواميس الكونية لأن القدرة والمشيئة العليا قد سخرتها له لاستعمالها في عمارة الأرض وتعبيد الأشياء والأحياء لعبادة خالقها. وتتجلى لنا أهم الخطوات في عملية التغيير أن تكون النفس البشرية ابتدأ عندها شعور قوي بالحاجة للتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). على الإنسان إذاً أن يعقلها ويتوكل على باريها آخذا بالأسباب طارقا جميع الأبواب فمن داوم على قرع الباب يوشك أن يفتح له. علينا أن نتوشح بالأمل ونستظل بزاد الصبر والمثابرة نبحث ونكد ونتعب للوصول إلى غايتنا المنشودة وهكذا تسير الحياة يروضها الإنسان بالحكمة ويعمرها بالهمة ويرافقها بالكلمة الطيبة لتتمثل بذلك الإيجابية الإنسانية الدافعة إلى الإصلاح ودروب الصلاح والموقظة للضمائر والملهبة للعزائم، وهكذا يتعلم الصغار ويكدح الكبار وترسم الأمومة في ملامح الصباح وتتقاطر من كل جبين للقوى العاملة هنا وهناك حبات العرق الشاهدة على الكفاح الإنساني بين أرجاء الحياة لتتحقق بذلك الإيجابية في واقع إنساني فريد يزكّيها القول ويشيدها العمل.