رمضان زيدان التغيير سنة كونية كامنة في طبيعة النفس البشرية التي تتوق دائما للعفة والطهارة والرقي إلى أعلى عليين محلّقة في الأفق السامي الرحيب ولكن للطبيعة الإنسانية أمزجة وهوى سرعان ما ينتكس بها في الدرك الآسن والمرتع البهيم ليرجع بنفسه إلى شهواته الجسدية وتلك الطبيعة التي خلقها بداخله محدثة ذلك الصراع النفسي، والنفس البشرية في تخبط دائم ما بين الانصياع إلى حاجات الجسد وأشواق الروح، وبين هذه وتلك نرى الإنسان في حيرة من أمره فهو بتوجهه الفطري يميل إلى السمو والرفعة والنقاء والطهارة أما بإحساسه المادي وأصله الطيني يركن إلى تحقيق رغباته الجسدية. إن العلم المطلق لله جل في علاه لهذه الطبيعة التي أودعها في خليفته في الأرض، لم يتركه يموج في تلك الحيرة وهذا التخبط، إنما خلق له عقلاً ميّزه به عن سائر المخلوقات. إن العقل البشري السوي هو بمثابة الحكم بين الروح والجسد وقد أودعه الله المقومات التي يعي بها ما ينفعه وما يضره، ثم أنزل له شريعة وقوانين يحتكم إليها كي يجعل هناك انسجاما بين النقيضين وتواؤما بين الشريكين داخل النفس البشرية، ومن هنا كان على الإنسان أن يتبع الطريق السوي للوصول بروحه إلى أشواقها السامية المترفعة عن أصل الخلقة الطينية في الركون إلى الملذات والشهوات، وكان لزاما على الإنسان أن يغير ما بنفسه كي يتغير له التاريخ؛ لتكون عند الله إن خلصت بنفسك من أدرانها العالقة وذنوبها المترسبة بالقلب ستكون يومها أشبه بملاك يمشي على الأرض ستكون عبدا ربانيا. إن العمل من أجل التغيير يتطلب جهدا شاقا ومضنيا لبلوغ هذه الغاية وللوصول إلى تلك المرتبة الجليلة عند الله في الملأ الأعلى، فالصبر والمثابرة وأخذ النفس بالشدة هي الخطوات العملية نحو التغيير، وكذلك تدريب النفس ومحاصرتها بأوامر ونواهٍ حتى تصير مؤهلة تأهيلا تاما للتحكم في شهواتها ورغباتها المهلكة. من هنا كان لزاما أن يكون هناك منهج تربوي يأخذ بالنفس البشرية إلى جادة الطريق؛ كي تصبح بعدها في أفضل أحوالها على الإطلاق ومن أولويات العمل التأثير والتأثر فيمن حولنا، أي أنه على العنصر البشري أن يتبع الخطوات العملية للتغيير بمراحلها التسلسلية في خطوط متوازية لتطبيقها علي نفسه وعلى من حوله ممن يخالطهم؛ ليعلم من خلال تعامله مع الآخرين مقدار صبره وتحمله لهم، فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، فمن أين لمن يعتزل الناس أن يدرك إلى أي المراحل قد وصل وعلى أي درجة في التغيير قد حصل؟ إن الإحساس التام والشعور الكامل لدى الإنسان بدوره في الأرض والتبعة الملقاة على عاتقه تجعله في أتم حالات الاستعداد القصوى للتغيير الإيجابي لحمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، فعندئذ يكون قد اكتمل بناؤه الفكري في قناعة كاملة لهذه التكاليف والواجبات التي ألزمه الله بها، ومن ثم يكون هذا الانسجام الكلي بين المخلوق المكرم وبين نواميس الوجود كي لا يكون هناك انفصال أو انفصام في وحدة الغاية بينه وبين تلك النواميس الكونية؛ لأن القدرة والمشيئة العليا قد سخرتها له لاستعمالها في عمارة الأرض وتعبيد الأشياء والأحياء لعبادة خالقها. وتتجلى لنا أهم الخطوات في عملية التغيير أن تكون النفس البشرية ابتداء عندها شعور قوي بالحاجة للتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إن إرادة الله تنفذ وتأذن بالتغيير لمن أراد التغيير وعمل لأجل تحقيق هذه الإرادة وليس لمن تمنى وكفى وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. يأيها الإنسان الأبي سافر إلى أقصى الأرض، واضرب خيمتك في فلاة، وتدبر في خلق الله ونعمه الجليلة، ومارس في الزهد ممارسة تعلو بك وتجعلك في مصاف الكرام، واجعل لذّاتك في الطاعة والاستقامة على جادة الطريق، واعلم أنه يجب عليك لزاما أن تتغير بالفعل من الآن، واجعل من عبادة ربك جانبا إيجابيا يأمرك وينهاك، لا تحصر الشعائر التعبدية في ركعات تؤدى وطقوس تقام إنما وقعها الفعلي يرى في الجانب التعاملي وفي منطقة الاحتكاك بالآخر، فالإيمان قول وعمل وما وقر في القلب وصدقه العمل قل آمنت بالله ثم استقم، لا تغني الأولى عن الثانية فالاستقامة انعكاس لإيمان داخل الضمير البشري تخرج من رحم الاعتقاد والتصور لحقيقة الوجود البشري، فإن قمت وصليت فانظر إلى انعكاس صلاتك على معاملاتك مع الآخرين، وإن صُمْت فاستشعر مدى تأثير صومك في سلوكك تجاه الآخرين، وإن حججت فاعلم أنك إن لم ترفث ولم تفسق رجعت كيوم ولدتك أمك لتعود حينها صفحتك بيضاء خالية من الذنوب والآثام فغيّر ما بنفسك ليتغير لك التاريخ.