ولّى زمن الشيخ أحمد الأسير، اقترف الرجل خطيئة بمجزرة بأفراد وضبّاط الجيش اللبناني، واتّخذ الجيش قراره، فبدأت معركة الحسم التي استغرقت 24 ساعة، رفضت قيادة الجيش كل الوساطات لحل الأزمة، معلنة عن خيارٍ وحيد لا ثانيَ له: «سوق المجرم إلى العدالة». هكذا حوصر مسجد بلال بن رباح في صيدا والشقق المحيطة به، بعد تحصّن الشيخ الأسير ومسلّحيه فيه، انتشر المسلّحون المقنّعون في الشوارع الداخلية لمدينة صيدا، قاطعين الطرق بالعوائق الحديدية ومستوعبات النفايات. أما في الشوارع الرئيسة، فانتشر عناصر الجيش، وقد أسفر عن ذلك اشتباكات عنيفة متقطّعة بالأسلحة الرشّاشة والمتوسطة، استمرّت حتى ساعات مغرب يوم الأحد قبل أن تخفُت لبُرهة وتعود أعنف مما كانت. ترافق ذلك مع ارتفاع أصوات التكبيرات من بعض مآذن المساجد وكأنها دعوات للجهاد، هكذا شهدت الأزقة الصيداوية حرب شوارع، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، دارت رحاها بين أنصار الشيخ الأسير، صديق وزير الداخلية مروان شربل، وعسكريي الجيش اللبناني . ليل الأحد لم يكن عادياً، تبادلت مدينتا صيدا وطرابلس الأدوار، اشتعلت العاصمة الجنوبية، فيما كانت عاصمة الشمال تراقب بهدوء. اشتدّت المعركة ليلاً، فاستُخدمت فيها الأسلحة الرشّاشة والصاروخية. استحالت صيدا إلى مدينة أشباح، انعدمت حركة المرور فيها على وقع رصاص القنص الآتي من عبرا. في موازاة ذلك، كان شهداء الجيش يرتفعون واحداً تلو الآخر حتى بلغوا 18 شهيداً، ناهيك عن عشرات الجرحى. هكذا انقضت الليلة الأولى، المعلومات الأولية التي تناقلتها المصادر الأمنية كانت تُشير إلى أن المعركة ستُحسم فجر الإثنين، لكن ذلك لم يتحقق فاستمرّت الاشتباكات حتى عصر أمس، قُتل فيها أكثر من ثلاثين مُسلّحاً من عناصر الأسير، وسلّم العشرات أسلحتهم. أمّا الباقون فتمكنوا من الفرار عبر وادي الشرحبيل. كذلك فعل الشيخ الأسير الذي قيل إنّه تمكّن من الفرار برفقة الفنّان التائب فضل شاكر عبر نفق يمتد من المسجد إلى أحد المباني القريبة. جرى تداول هذا الخبر بعدما كانت قد نقلت إحدى وسائل الإعلام أن الشيخ أصيب إصابات بليغ. وقد حالت ضراوة الاشتباكات دون تمكّن عناصر الجيش من إخلاء المدنيين الذين حوصروا في منازلهم، أُعلن عن الفرج قرابة الخامسة عصراً، وقتذاك كان الجيش قد تمكّن من السيطرة على المسجد، بدأت عملية البحث، لكنّها لم تُسفر عن شيء. إزاء ذلك، نُقل قرابة تسعين جريحاً إلى المستشفيات عقب انتهاء العملية العسكرية، توالت بعدها ردود الفعل السياسية والشعبية، شدّ معظم السياسيين على أيدي الجيش معلنين وقوفهم إلى جانبه، وقد برز لافتاً موقف قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي أشار إلى أن «لبنان مر في الساعات الأخيرة بمرحلة صعبة وحساسة، وتمكن بفضل جهود الجيش اللبناني وتضحياته من احتوائها». أما الردود الشعبية، فانحصرت في كل من طريق الجديدة والشمال اللبناني، قُطِعَت الطرقات وأُشعِلَت الإطارات المطاطية، كما جرى الاعتداء على حاجز للجيش اللبناني في منطقة العبدة ما أسفر عن إصابة عسكريين.