وجَّه الناخبون الإيرانيون الذين أرهقتهم سنوات العزلة الاقتصادية والقيود السياسية مطلباً صريحاً بالتغيير يوم السبت الماضي عندما صوَّتوا بأغلبية ساحقة لصالح رجل دين معتدل في انتخابات الرئاسة. واستقبل ملايين الإيرانيين في الداخل والخارج فوز حسن روحاني بمزيد من الارتياح لانتهاء ثماني سنوات من حكم الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد. وكان لفوز روحاني، وهو مفاوض نووي سابق، على منافسيه المحافظين الأشد ولاءً للنظام الديني والزعيم الأعلا علي خامنئي، وقْعَ المفاجأة. وكانت المفاجأة الثانية أن أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ الانتخابات المثيرة للجدل عام 2009 بدت حرة ونزيهة. ويُسهم فوز روحاني نوعاً ما في إصلاح شرعية الحكم في الجمهورية الإيرانية التي تضررت بشدة قبل أربع سنوات عندما أثار فوز أحمدي نجاد بفترة ثانية احتجاجات واسعة. وقال رئيس المجلس الوطني الإيراني، تريتا بارسي:» إن الوسطيين والإصلاحيين أثبتوا أن بإمكانهم، حتى مع تضافر العوامل والظروف ضدهم، أن يفوزوا بفضل التأييد الشعبي الذي يتمتعون به». وبعد فوز روحاني، يظهَر التحدي الضخم المتمثل في تعافي إيران وإصلاح الأضرار الناجمة عن افتقار الثقة بين طهران والغرب طيلة ثماني سنوات. وبمثل هذا التفويض القوي والرغبة الواضحة في مدّ يده، سيكون هناك أمل في أن يتمكن روحاني، رجل الدين البالغ من العمر 64 عاماً، من إحراز تقدم في المحادثات النووية، لكن مع استمرار الزعيم الأعلا في تحديد سياسات الدولة سيواجه روحاني قيوداً على نطاق عمله. ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية عن العضو المحافظ في البرلمان الإيراني، أحمد توكلي، قوله:»إن روحاني سيختار الكوادر الأساسية لوزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن الوطني وهذا سيكون له أثر بالتأكيد، لكن التوجه العام يقرره الزعيم الأعلا، ومن الطبيعي أن يتعاون روحاني معه». وهناك تحدٍ آخر يتمثل في قضية اثنين من الإصلاحيين موضوعَين قيد الإقامة الجبرية منذ أكثر من عامين بسبب ما يُوصف بدورهما النشط في احتجاجات 2009. وطيلة الحملة الانتخابية كان أنصار روحاني يرددون اسمي الزعيمين مير حسين موسوي ومهدي كروبي وكثفوا الدعوات لإطلاق سراحهما، لكن ذلك يعني مواجهة عناصر قوية من المؤسسة المحافظة. وقال الأستاذ في جامعة سان أندروس في اسكتلندا، علي أنصاري :» إن فوز روحاني الساحق لابد أن يسفر عن شيء جوهري وليس مجرد شكل وهذا يتطلب أن تعترف قلة قليلة بأن السنوات الثمانية الماضية كانت بمثابة انحراف عن الدرب». وكان روحاني تعهد بأن يضع ميثاقاً للحقوق المدنية وأن يطبّقه، وتحدث مدافعاً عن حقوق المرأة والأقليات العرقية، كما كان ينتقد بشدة أجواء التشديد الأمني قُبيل الانتخابات وحظي بمساندة كبيرة من الليبراليين نتيجة لذلك. وفي السياق ذاته، اعتبر مقالٌ على موقع «تابناك» الإخباري الإلكتروني المرتبط بمحسن رضائي، وهو مرشح محافظ ورئيس سابق للحرس الثوري الإيراني وجاء في المرتبة الرابعة في انتخابات الرئاسة، أن «هزيمة الأصوليين كانت ضرورية». وأضاف «التيار الأصولي يجب أن يفهم أنه لا يمكن أن يكون المرء غير كفء ويتوقع أن تستمر جماهير الناس في تأييده». وربما يتعين على الإيرانيين الانتظار والصبر حتى يتحقق التغيير بسبب تعدد مستويات السلطة في هيكل الدولة والذي أضعف بالتدريج سلطة الرئيس على مدى العقدين الماضيين.