أسباب عدة جعلت المحتسبين يغيّرون تكتيكهم من «الخروج» للوزارات لاستجواب المسؤولين إلى التفرغ للفتاوى في مواقع التواصل الاجتماعي، أبرز الأسباب هو الطقس غير المناسب، فحرارة الجو -خاصة في العاصمة حيث المسؤولين والفلاشات- لا تساعد على التجمهر، لاسيّما أن من أدبيات «الاحتساب الجديد» البقاء خارج المبنى وطلب مقابلة المسؤول الكبير، والزي الرسمي الاحتسابي غير مناسب، فالمشلح سيزيد الحرّ لسعاً، والغبار المصحوب بالرياح سيحوّل الشماغ -في ظل عدم وجود عقال- إلى طائرة ورقية، وقبل هذا المسؤول غالباً سيكون في إجازة، ولهذا ربما توجهوا إلى الفتاوى بتحريم السفر إلى البلاد «الإسلامية» التي يوجد بها منكرات ومعاصٍ، هذه الفتاوى جعلت المسؤول بين خيارين، إما العودة للوطن امتثالاً للفتوى، وعندها سيتسنى للمحتسبين «مواصلة شغلهم»، أو أن المسؤول يتجاهل الفتوى وعندها سيكون مستوجباً لحشد حملة احتساب مجلجلة، لتجاهله فتوى صريحة، ولأنه أيضاً جاهر بالمعصية، وبالطبع هذا التكتيك لا يشمل الجميع، هو خاص بالموجهين والمنظّرين، أما الخط الثاني فما زال يواصل طلعاته الاحتسابية في المهرجانات والأسواق، والخط الثاني ليس أقل شجاعة وإقداماً من الكبار، فهو الآن يحقق الإنجاز بعد الإنجاز، ففي حائل أرغم المنظمين على إلغاء فقرة لوجود موسيقى فيها، وفي حفر الباطن تمكن (الفريق) من منع حضور النساء للفعاليات، رغم وجود فاصل وحاجز وفصل تام في حفل الافتتاح، لكن في اليوم الثاني مُنع حضور النساء حُباً وإنصافاً لهن فلا يليق بالملكة أن تزاحم الرجال، وإن لم تكن هناك مزاحمة فالخير لها أن تبقى في بيتها. وكي لا يأتي من يحاكم النيات، ويجعل شتيمتي من القربات الصالحة، فأنا لا أعني بالمحتسبين العلماء أو المشايخ المعروفين، إنما أعني أولئك الذين أفرزتهم التقنية الجديدة، ولهذا أتمنى من سماحة المفتي العام أن يسائل هؤلاء المتحسبين ويفّعل الأمر السامي بقصر الفُتيا على هيئة كبار العلماء، وأن يُنبه هؤلاء أن الاجتهاد ليس باباً متاحاً للجميع.