يحاول الأمين العام لحزب الله مراوغة الرأي العام في المنطقة بالادعاء أن المعسكر المضاد له، الذي تقف فيه قوى الثورة السورية وأغلب القوى العربية الفاعلة، يتعمد «تطييف» الصراع وتحويله إلى مواجهة بين المذاهب. قد يظن حسن نصر الله أن الرأي العام العربي والإسلامي نسي أن نظام بشار الأسد وحزب الله اعتمدا خلال العامين الماضيين على الطائفية كأداة للقضاء على الثورة، لكن هذا الظن لا يبدو سليماً. إن مشاهد قصف مآذن المساجد في المدن السورية ما زالت عالقة في أذهان العرب والمسلمين، وكذا وقائع القتل على الهوية. كلنا يتذكر كيف قصفت قوات الأسد مئذنة مسجد عمر بن الخطاب الأثري الذي بُنِيَ في مدينة درعا، وكلنا يتذكر مجزرة قرية البيضة التي ذُبِحَ فيها الأطفال والنساء. يتجاهل حسن نصر الله حقيقة دخول ميليشيات مسلحة طائفية من العراق وإيران ولبنان (حزب الله) إلى الأراضي السورية بدعوى الدفاع عن المراقد المقدسة ثم قتالها في مدينة القصير رغم خلوِّها من أي مرقد. ولقد شاهدنا طيلة العامين الماضيين كيف حاول الأسد تجنيد الطائفة العلوية لحماية موقعه حتى لو أدى ذلك إلى زرع الفتنة بين أبناء سوريا، وشاهدنا أيضاً كيف صوَّر الحراك الشعبي على أنه «تمرد من جماعات متشددة ضد الأقليات» وكيف اعتبر نفسه حامياً لهذه الأقليات، كل هذه شواهد تجيب عن سؤال: «من حاول تطييف الصراع في سوريا؟» إن خطاب حسن نصر الله أمس الجمعة بدا مليئاً بالمغالطات ومؤشراً على أن حزب الله قرر أن يمضي إلى النهاية في عدوانه على السوريين. لقد استخدم المعسكر المضاد للثورة السورية الطائفية لحشد المناصرين له ولإقناعهم بضرورة إخماد الاحتجاجات بالقوة حتى لا يؤدي نجاحها إلى إبادتهم، ثم إذ بمكونات هذا المعسكر تلقي الآن بتهمة التطييف على من ظلوا نحو عامين يؤكدون على أن هذا الحراك «وطني» وليس «مذهبيا» وعلى أن القهر الذي مارسه نظام دمشق طال جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والدينية. نحن أمام ممارسة واضحة لقلب الحقائق من قِبَل معسكر يريد أن يمنح نفسه مبررات كي يوغل في القتل بدعوى مواجهة الطائفية رغم أنه من صنعها.