لا أعتقد أن رجل الشارع العادي في العالم معني بالحقد على العرب والإسلام والضغينة على المسلمين لمجرد أنهم كذلك. ولا أعتقد أن نجاح الحملات الصهيونية والاستعمارية بشكل عام في النيل من ديننا وتاريخنا يعود لقدرة هذه الحملات وحدها، وإنما يعود في جزئه الأكبر إلى حالة التخبط التي نعيشها نحن كعرب وكمسلمين، وللطريقة التي سوقنا فيها أنفسنا للعالم، وذلك من خلال سلوكياتنا الشخصية والاجتماعية والسياسية. وللنظر بموضوعية وحيادية لهذا الموضوع، فإن مجرد محاولة شمولية ومن خارج الدائرة لأحوال إنسان العالم العربي كفيلة بتحديد أي صورة يعيشها ويعكسها عن ثقافته وعن دينه لأي شخص قابع في البعيد عنه. فدول عربية مثل الصومال والسودان تأتي في صدارة دول العالم من حيث كونها الأكثر فسادا وسرقة للمال العام، وبقية دول العالم العربي ليست ببعيدة عنها في الترتيب مع بعض الاستثناءات القليلة. على الجانب الآخر تعتبر الدول العربية من أكثر دول العالم عنفا ودكتاتورية وغيابا لحقوق الإنسان، وتعاني بشكل عام من عدم وجود استقرار سياسي وأمني وغياب شبه كامل للديمقراطية وحقوق الإنسان. وخير مثال على ذلك هو كمية العنف الذي تواجه فيه الحركات التحررية في دول الربيع العربي. فشل حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي التي ظهرت بعد خروج الاستعمار من العالم العربي في منتصف القرن الماضي ، خلق نوع من الهزيمة في ضمير الإنسان العربي و المسلم وشعورا خفيا بعدم القدرة على مواجهة الآخر/الغربي بكل ما يحمله من أدوات الحضارة الحديثة. مما جعله يحاول الالتفاف على هذا الشعور غير المعلن بالهزيمة بتبنيه أفكار إصلاحية جديدة متطرفة في رؤيتها وتعاطيها مع الذات ومع الآخر. انقسمت وما بين الدعوة إلى رفض الآخر و حضارته والانغلاق على الذات تحت مسمى الأصالة. وما بين الدعوة الى تقليد الحضارة الجديدة بكل ما تحمل تحت مسمى المعاصرة و التخلي عن كل ما هو متعلق بالحضارة الإسلامية لكون هذا المسلك هو السبيل الوحيد برأيهم للنهوض بالأمة. مثل هذه الرؤى لتحقيق النهضة في العالم العربي تحمل الكثير من التطرف و ضيق الأفق الفكري، فالانغلاق على الذات هو نوع من فقد الثقة بالنفس والإدراك الخفي بعدم القدرة على مواجهة الآخر و التفاعل معه لإيمان المجتمع المنغلق في قرارة ذاته بهشاشة القيم و الأفكار والثقافة التي ينطلق من خلالها، ولخوفه المسبق بأنها ربما تتلاشى وتذوب في الآخر مع أول مواجهة ثقافية معه، ولذلك فهو يحرص على التقوقع على نفسه تحت حجج وذرائع ليست حقيقية بالمطلق، ولعل أهم المؤشرات التي تعتبر تداعيا مباشرا لهذا الانغلاق ومبررا له، هي التصاعد المبالغ فيه للأنا والتفاخر بالماضي وتهميش الآخر وإلغاء الجوانب الإيجابية لديه، بالإضافة إلى عدم احترام الاختلاف ولا القدرة على رؤية العالم بغير ذات المنظار الأحادي للصح وللخطأ، للخير وللشر. أما الرأي الداعي إلى تقليد الآخر والتخلي عن الموروث الإسلامي والعربي بالكامل، فلا شيء ينطبق عليه أكثر من مقولة ابن خلدون (المهزوم مفتون بتقليد المنتصر) وهذا ما يحدث بالفعل للمجتمعات المهزومة ثقافيا و فكريا قبل الهزيمة العسكرية، والتي تداري – كما يفعل بعض أصحابنا – فتنتها بتقليد هازمها بهذا الكم من التبريرات في مدى رجعية الموروث لدينا وعدم قدرته على التماهي مع متطلبات العصر العلمية والحضارية. لتجعل من هذه التبريرات مجموعة من التحصينات الفكرية و الأيديولوجية التي تدفن رأسها تحت ترابها. برأيي أن مثل هذه الأطروحات لم تكن سوى مواقف قائمة على ردود أفعال لتدهور المناخ الفكري وغياب الأمن والطمأنينة والخوف من المستقبل. بالشكل الذي خرجت معه مغالية بتعاطيها مع متطلبات الواقع وضرورة المرحلة التاريخية والثقافية والاجتماعية التي يعيشها مجتمعنا العربي الإسلامي، لأسباب قد تكون شخصية فردية ونفسية تخص المنظرين لهذه الأطروحات، أو للأسباب الفكرية التي ذكرت والتي لم تجعل هذه الأطروحات قادرة على استيعاب الحراك الثقافي نحو التطور والذي لا يمكن أن يتبلور بشكل صحي و سليم سوى بتمازج الموروث الفكري للمجتمع وتلاقحه مع ثقافة الآخر و حضارة العصر التي يحمل لواءها. فنحن بحاجة لأن نثق بأنفسنا وبديننا وبحضارتنا وبموروثنا أولاً. وأن نؤمن بأنه لا يمكننا أن ننطلق وننهض بمعزل عن ثقافتنا التي تمثل الهوية التي لن نرتقي بدونها، وفي المقابل أن ندرك أيضا بأننا لن نرتقي بدون أن نأخذ من الآخر مكتسباته الفكرية والحضارية والتقنية دون أن نذوب فيها.