قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه على الله». في حاضرنا.. تظهر لنا عبر محطات حياتنا شخصيات جبانه بسلوكياتها السقيمة المملة والمضرة أحيانا، قد يعتلي سقمها الريادة على التصرف السلوكي الكلي مظهريا، وقد يتوارى ويبقى جوهريا حتى لايظهر إلا في حلول الظروف الضبابية المعتمة للرؤية أو الحاجبة للمواجهة المباشرة ومنها تتجلى حقيقة ماتخفي القلوب من حقائق تجعلنا مشدوهين من ذهولها. الجبان شخص خلق بسمة الجبن، وهي سمة من مزيج مبطن من مشاعر الحقد والانتقام والكراهية والغيره والغدر، يثبط خروجها الصريح العجز النفسي عن الوقوف بشجاعة لمواجهة رد الفعل العنيف المقابل. وبالتالي فإن الجبان لا يستطيع أن يتطور إلى متسلط ، أو يتحور إلى ديكتاتور، لأنه يفتقد الشجاعه والقوة. وفي مواقع التواصل الاجتماعي مثلا يظهر الجبناء بمعرفات متنكرة يعبق رأيها برائحة المرض الروحي المتأصل في الرؤية في الرأي.. يتلون خطاب الجبان وهو يتلوه من خلف المعرفات دائما بلون الكراهية الجريئة حتى يكون بمنزلة لواء عال وراية واضحة تجمع من حولها حشودا من الكارهين تهلل وتكبر وتصفق للقائد الملهم الجبان المختبئ وراء المعرفات. كثير من هذه المعرفات التي تتخذ رمزية البيض «فاسدة»! وهي تتساقط عمدا على منشن كل منا بآراء ووجهات نظر سامجة لاترتقي لاستحثاث التفاعل مهما بلغت لغتها الكيدية من وقاحة.. ولأننا لانجد في الخيارات سوىBLOCK وREPORT SPAM فإنها، أي الخيارات، لاتفعل شيئا سوى «تفقيش» البيض الفاسد لتزكم الأنوف رائحة كبريت الهيدروجين النتنة «افتراضا»! يسعى الجبناء من خلف المعرفات الوهمية للقيادة الجماهيرية من خلال التمثيل للجماهير بإيحات خرافية عن السيطرة على مقبض سيف الشجاعة ذي الضربة القاضية. في كل مرة لا يحالف الحظ الجبان. وفي كل مرة ينتكس، فيسعى للتشفي الوهمي من نجاح الآخرين أو تميزهم عليهم أو حتى اختلافهم عنه. يظهر كلما قمعه REPORT SPAM أو BLOCK بمعرف وهمي جديد، شعار ملفه الشخصي «بيضة» وأعداد المتابعين صفر. أحيانا، تكون وطأة تحمل مجانين متلازمة فقدان الثقه بالنفس من هؤلاء الجبناء، بسبب إرهاصات تكدس وامتزاج المفاهيم السلبية للمعاني القيمية والتقليدية والدينية ووقوعهم في الخطأ المحظور قانونيا وعرفيا وعجزهم عن نفي سيطرة الجبن على الإدراك الفكري الذاتي، أشبه بأول لحظة دخلت فيها «GYM» وأخفضت كتفيَّ لجهاز Shoulder press تحت 30 كيلوجراما حديدا لأرفعها على كتفيَّ للأعلى مرتفعة على رؤوس أصابع قدميَّ من أجل شد عضلات الساقين! احتمال ما لا يطيق الوعي تحمله مرهق جدا. الجبناء لا يُجيدون سوى فن اتهام الآخرين في نياتهم والتأليب عليهم، حينما يضمنون الأمان، دون أدلة ملموسة. ليس للجبناء حينما يعتلون منابر الخطابات سوى جموع حاشدة مؤيدة من باعثي الطاقات السلبية.. الجبناء لا يتقلدون وسام الشجاعة وهميا إلا بعيدا عن ساحة المواجهة لإرضاء وطمأنة غرورٍ نفسيٍّ مليءٍ بالخوف والتوجس.. فعل الجبناء في سلوك الضرب المنفعل لخصومهم مرآه إنعكاسية لواقع الجبان، فهو غير مستحق للسلام النفسي بسبب بقائة في دائرة ضعف يهيمن عليها كثير من القوى السلبية، ولن يرتقي منها أبدا، فقد ولد الجبن معه حينما خرج من بطن أمه، كما تولد الشجاعة مع أصحابها. الجبان يعاني من أزمة عميقة في ثقته بنفسه فضلا عن مولده بلا شجاعة لأن كل ما يحيط به بيئيا قد استلب ما تبقى لديه من ثقة بذاته، فهو متردد دائما يميل إلى السكوت في الضجيج الاجتماعي، ويركن إلى الإنصات لكل ما يزيحه عن توسم الشجاعة. يختصر عالم النفس جرودون بايرون مفهوم الثقة بالنفس ببساطة ويعنونه على أنه الاعتقاد في النفس والركون إليها والإيمان بها. ومن ثم فإن الثقة بالنفس نوع من الاطمئنان الواعي بقدرات الذات الفعلية حسب معطيات المكان والزمان في تحقيق النجاح بمهنية والوصول إلى الغايات العليا باحترافية بعيدا عن الإفراط بالإعجاب بالنفس أو التفريط في التقليل من شأنها. كما يعتقد الواثق بنفسة أن قدراته الذاتية الفعلية ستثير حولها الاهتمام الإيجابي، وستتلقى الثناء والحرص على جذبها لما فيها من إيجابيات. *** في كل محفل أجد أن كل جبان يرفع صوته بالرأي عندما لا يواجه خصمه مباشرة أو يتخفى عنه وراء المعرفات، وفي الواقع إن الجبان ليس إلا كالسراب يشغل العين لوهلة، إن شغلها، ولكنه لا يلقي للاهتمام بالا.. كما أنني لا أجد أنه في تنكر الجبان الشخصي أو بعده المباشر عن المواجهة ثم استرجاعه المصر من بعيد لإيصال صراخه السرابي من زاوية كهفية بعيدة عن العين المجردة إلا دلالة أكيدة على وقوع نفسي صريح في وحل العجز والسلبية والهزيمة النفسية يكون فيها الجبان في أسخن مقاييسه الشعورية من الحقد والكراهية والدناءة والعجز والصغارة. لأن فيما يطلقه عنانه من أفكار سيئة وتأويلات اتهامية جزافية تتجاوز حدود الأدب، يبين المعايير الواقعية لمنتهى طموح وأهداف متولدة في حقيقتها من طاقات سلبية تتوالد باستمرار ولا تنتهي، تنشأ دوما من فشل متراكم في النجاح على المشكلات وخسائر متتالية في التعامل مع الأزمات ووقوع حقيقي في وحل الخطايا الحمراء وموت صدق الرغبة في الارتقاء النفسي. *** يظهر الجبناء مهاراتهم الساذجة على وقع كل مأتم وتأكد حصول الخسارة وفي كل نهاية علاقة إنسانية جميلة: كزواج أو صداقة أو معونة وما إلى ذلك من علاقات تكتمل فيها الرغبات وتمتلئ حد الفيضان بالشبع والإنهاك والاستسلام. لا يدرك الجبناء أن إعاده تقدير الذات حقيقة قد يستحقونها، ولو لم يكونوا مجبولين عليها فطريا، فالإيجابية والاندماج في المجتمع والبيئة ليس عسيرا.. إنه لايتطلب سوى إعلان الحرب على الانطوائية التي يستفرد فيها الشيطان بالأفكار والوسوسة، ونزع لثام السكوت عما تكنه النفس أمام منتقديها الذين يعرفونها على أرض الواقع حتى يتجرد بجلاء للمنطقية لتصحيحه وتعديله.. لم يكتب التاريخ للجبناء موقفا بطوليا بتحولهم وتتطورهم واعتناقهم الشجاعة ودخولهم في مصاف العظماء. مشكلة الجبناء الأزلية أنهم انطوائيون على أرض الواقع ومتحدثون ببلاغة ووقاحة أحيانا حينما يكونون بعيدا عن المواجهات المباشرة لأن واقع تقديرهم لذاتهم هو ذاته ما سيثير النقع على رؤسهم. يقول المتنبي عن الجبناء: يرى الجبناء أن العجز فخر ** وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تغني ** و لا مثل الشجاعة في الحكيم من المؤسف أن الجبن داء يستعيي على الحكمة والتداوي للأبد. الجبن أقرب أن يكون متلازمة للجنون العقلي -دعوني أسميها كذلك- لارتباطها الدائم في التثبيط النشط لكل المحفزات الإيجابية التي قد تعيد تخليق مرء إيجابي. ليس للجبناء منا إلا تجاوزهم وألا يتجاوزوا علينا.. ليس لهم منا إلا اليأس من جدوى علاجهم وأن نعوذ بالله من ضربة الجبان إذا خاف.