كانت الثقافة العربية التراثية تتحدث عن شجاعة الخصم، وتصفه بأوصاف لا تهضمه حقه في أرض المعركة خاصة. ويعود ذلك إلى كراهية العرب للكذب، وعده من الأوصاف التي لا تليق بالرجال!! وقد عرف ذلك عن الشاعر الفارس عنترة، الذي صار اسمه مثال الشجاعة حتى ليقال عن إظهار الشجاعة المتكلفة (عنترية)! ويقال في تفسير ذلك: إن اعتراف الإنسان بشجاعة خصمه نقطة في صالحه عندما يتغلب عليه!! فلا معنى لشجاعة من يتغلب على شخص جبان. وقد ورد في شعر عنترة ما يدل على ذلك إذ يقول: فشككتْ بالرمح الأصمِّ ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم وورد مثل ذلك في شعر أبي تمام من قصيدته البائية في فتح عمورية، حيث يقول واصفاً جيش الروم: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب وبذلك يظهر أن عنترة لم يواجه خصماً جباناً لئيماً، والجيش الإسلامي لم يواجه جيشاً من الأرانب والغزلان!! وهذا أظهر لشجاعة عنترة وجيش المعتصم. أما إعلامنا الحاضر، والمتحدثون فيه في أرض المعارك من غير استثناء تقريباً؛ فإنهم يركزون على جبن الخصم، وأنه يفر كالأرنب أمام الثعلب!! هذا الأسلوب دأبنا عليه حتى غدا جزءاً من ثقافتنا رغم أن هذا الأرنب الجبان يحتل أرضنا منذ ستين عاماً، ويهزم جيوش دولنا مجتمعة، أو أنه يسيرنا بسوطه منذ أربعين عاماً، قد يكون هؤلاء من الخصوم ظالمين وغاصبين وغير ذلك، ولكنهم في كل حال قد لا تنطبق عليهم صفة الجبن!.