لا ريب أنَّ تدوين سير الأعلام خصوصاً الذين لم يكتب عنهم من قبل أمر يحتاج إلى مزيد جهد ووقت، وبما أنَّ علَمُنا الذي نستعرض بعض سيرته كانت وفاته قبل أكثر من سبعة عقود فإنَّ جمع المعلومات عنه يصعب، وقد حرصت على جمع أكبر قدر ممكن من سيرته لتكتمل على الوجه المطلوب, وهذا جهد المقل وأسأل الله توفيقاً وسداداً فأقول مستعيناً بالله: اسمه: محمد بن إبراهيم بن محمد بن موسى (أبو علي). ولادته ونشأته: ولد في بلدة الداخلة في سدير, ولا أعرف تاريخ ولادته بالتحديد, ولكنْ يذكر من أدركه من كبار السن أنَّ عمره حين توفاه الله تعالى كان مائة عام أو تزيدُ قليلاً -رحمه الله- وقد نشأ نشأةً صالحةً وتعلَّم القرآن الكريم ومبادئ العلوم في الكتَّاب في بلده, والمعلِّم فيه إذ ذاك الجدُّ الشيخ عبد الرحمن بن حمد ابن علي أخو الجد مشاري بن حمد ابن علي -رحمهم الله-. صفاته وأخلاقه:- كان ذا ورعٍ وتقوى وعبادةٍ وصلاحٍ وصلابةٍ في الدين, متقنٌ حَسنَ التلاوةِ لكتاب الله, قويَّ البنية ضخم الجسم, وكان يتمتَّع بقوةٍ ظاهرةٍ وجلدٍ على العمل. أسرته: من الأسر المعروفة في الداخلة بسدير, ويعرفون بآل موسى (أبو علي) لتمييزهم عن آل موسى (المعيوف) وآل موسى الذين منهم المترجم تفرَّع منهم المطلق الذين انتقلوا إلى الزبير ثم عادوا إلى نجد. حضوره الدروس العلمية اليومية:- وقد أفاد من الدروس العلمية اليومية التي تقام بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء في البيت الكبير لأسرة آل مشاري ابن علي في بلدة الداخلة في سدير والتي يُقرأ فيها تفسير ابن جرير الطبري وتفسير ابن كثير وبعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وغيرها، والتي يتولى القراءة فيها الجدُّ الشيخ علي بن مشاري ابن علي وبعد انتقاله إلى قرية العليا بالمنطقة الشرقية, تولى القراءة الشيخ مشاري بن عبدالله بن مشاري, وكان الذي يتولى الشرح والتعليق الشيخ عبدالله بن مشاري ابن علي إمام وخطيب الجامع في زمنه. علميته: إضافة إلى ما لديه من علمٍ شرعيٍّ فله أيضاً معرفةٌ في الأنساب, وذُكر لي أنَّ الشيخ عبدالله بن فنتوخ - رحمه الله- قال عن المترجم له: إنَّه أعلمهم بنسبهم وأرضاهم في الدين- أي أعلم أسرته بنسبهم. أعماله:- عمل مؤذناً في جامع البلدة ولم يكنْ يتقدم لإمامة الناس في الصلاة.كما كان -رحمه الله- الساعد الأيمن لعبدالله بن مشاري ابن علي- إمام الجامع- وكانا على علمٍ تامٍ بمزارع الداخلة ونخيلها وأوقافها, وما يخصُّها من مسايل ووضايم وقلبان (آبار), ويصلحان شؤونها ويرممان ما يحتاج إلى ترميم بجهودهما الذاتية, وكأنَّ الجد الشاعر سليمان ابن علي يعنيهما بعد موتهما في قصيدته عنْ بلدة الداخلة حين قال:- جنَّب السيل المسايل لو يجور مالها إلا النظر والاستماع عابرٍ ما عاد تلزمه الحكور يوم مات أهل النظر والراي ضاع كان الرجلان يصلحان ما تلف من الحبال والدلاء في ميضئات المساجد, ويحملان الأحجار الصخريَّة ويضعانها على المعابر لتكون ممراتٍ للسابلة والمسافرين والجمال..., ويتعاونان على تنظيف الوضايم والمسايل حتى يجري السيل بيسرٍ وسهولةٍ إلى المزارع والنخيل, ويعملان على ما ينفع الناس, وكانا يصلحان المقابر وما يلزمها, وكان وقت ذهابهما من بعد صلاة الفجر في رحلات عملٍ يقصدان بذلك وجه الله تعالى, ويستعينان بما يدخل عليهما من وصايا لهما, فيقومان بتسهيل طرق السابلة للدواب والمسافرين كما أسلفت, مثل طريق بلدة المعشبة الذي كان كثيراً ما يتأثر بالسيول فيصعب سلوكه فيقومان بإصلاحه وغيره من طرق الحاج على جبال طويق, وكذلك الطرق القريبة من البلد, كما كان المترجم له ينحت الصخور ويعمل منها أواني للماء (شريب - قرو - حواجز - قوالب). علاقة المترجم له بإمام الجامع:- كانت علاقة مترجمنا بإمام جامع الداخلة الشيخ عبدالله بن مشاري بن حمد ابن علي علاقة وثيقة مبنية على المحبَّة والمودة والاحترام والتعاون على البر والتقوى فهو عضده الأيمن في أعمال الخير وصاحبه الملازم له كما سبق ذكره. أبناؤه: ثلاثة أبناء هم: إبراهيم ومطلق وسليمان, ولكنهم ماتوا في حياة والدهم, وبهذا انقطع نسل مترجمنا -رحمهم الله وغفر لهم جميعا - ولكنْ لم ينقطع ذكره الحسن ودعاء أقاربه ومعارفه له. قصَّةٌ حصلتْ لأحد أبنائه:- ويحسن بي أنْ أورد لكم واقعةً حصلت لإبراهيم ابن المترجم له في البصرة, فقد ذهب إلى هناك مثله مثل خلقٍ كثيرٍ من أبناء نجد حينذاك طلباً للرزق وأقام بها, ومرَّة رآه رجلٌ يظهر من هيئته وملابسه أنَّه من الأغنياء ومن علية القوم, والرجل يريد أنْ يعبر طريقاً فيه ماء وطين, وعليه ملابس ثمينة لا يريد أنْ يخوض بها في الوحل فأعجبَ بإبراهيم وضخامة جسمه, فطلب منه أنْ يحمله على كتفيه ويجتاز به الماء, ووافق إبراهيم مساعدته فلمَّا توسَّطا في الوحل دَاخَلَ العجبُ الرجلَ فقال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) فما كان من إبراهيم -رحمه الله- إلا أنْ رماه وأوقعه في الوحل بملابسه المزخرفة وداسه بقدميه وقال له: (وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين). وفاته: توفاه الله قبل وفاة صديقه ورفيقه العم الشيخ عبدالله بن مشاري ابن علي -رحمهم الله- بعامٍ أو عامين على ما يذكره كبار السن, وصلي عليه في جامع الداخلة في سدير ودفن في قبرٍ تولى حفره لنفسه قبل وفاته, وقد أخبرني بذلك الداعية المعروف الشيخ عبدالرحمن بن محمد الحماد من أهل روضة سدير والذي انتقل إلى أبها داعية وموجِّها -رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى-. وأخيراً وليس آخراً فقد كان للمترجم له ولأبنائه أخبار وقصص تستحق التدوين من قبل المهتمين والعارفين لتأريخ مترجمنا, وأكثر إفاداتي في هذه الترجمة كانت من والدي رحمه الله. والله أسأل أن يغفر للمترجم له وأن يعلي درجته في الجنة آمين. قاله وكتبه عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)