باتت منطقة القصير، حصن المعارضة السورية ومعقلها في مدينة حمص، في مرمى النار، واقتربت من تسجيل ملحمةٌ تاريخية يُهيَّأ لها في هذه المنطقة الريفية، لا سيما أن مسلحي المعارضة السورية بدأوا يعدّون العدّة لمواجهة كانوا يعلمون أنها مقبلة سلفاً، باعتبارها «بيضة القبّان» في معركة حمص. أقام مسلحو المعارضة التحصينات، حفروا الخنادق وتمترسوا لتلقين «النظام درساً لن ينساه». هكذا كانت المعركة في منظار المعارضين، لكنها في المعسكر المقابل، كانت شيئاً آخر، فحسم المعركة بالنسبة للنظام السوري سيدعمه سياسيا واستراتيجيا، ولاحقاً في المفاوضات التي تقوم على المكاسب المتحققة في الميدان، هكذا حشد الجيش السوري وحزب الله قواهما العسكرية، أُطبِقَ الخناق على القصير منذ أكثر من شهر ليبدأ العدّ العكسي. بداية المعركة فجر الأحد الماضي بدأ هجوم النظام، حُشِدَت القوى المسلّحة في شمال وغرب القصير تمويهاً ليأتي الهجوم عمودياً من الجنوب، تقدّمت مجموعات كوماندوز من حزب الله سريعاً في داخل القصير، مدعومة بإسناد مدفعي وقصف جوي. الاقتحام كان سريعاً ومباغتاً، شقّ الهجوم منطقة القصير إلى نصفين، ثم قسّمها إلى عدة مربعات، هذه المعلومات الأمنية سرّبتها أوساط الجيش السوري، مشيرة إلى أن قوات المعارضة بوغتت بالهجوم بعد حشدها في الجهة الخطأ، وتحدّثت الأوساط نفسها عن انهيارات سريعة في صفوف المعارضة. تكذيب «ميداني» التحليل الأمني لم يلبث أن يُكذِّبه الميدان، فبعدما حُكِيَ عن انهيار مقاتلي المعارضة، تبيّن أنّهم صمدوا في الميدان، هكذا انجلى غبار معركة اليوم الأول عن 24 قتيلاً في صفوف قوات حزب الله، يُقابله 60 شهيداً في صفوف الثوّار وأكثر من 100 جريح، وبالتالي سقطت نظرية أن المعركة ستُحسَم خلال ثلاثة أيام لتبدأ حرب استنزاف يبدو أنها طويلة. اليوم الثاني للمعركة اختلف عن سابقه، وهكذا كان اليوم الثالث والرابع، انكفأ مقاتلو الحزب مستعيضين عن الهجوم بغزارة نيران وقصف جوي عنيف. وبحسب المعلومات الأمنية، يُخفِّفُ ذلك من حجم الخسائر البشرية لا سيّما أن الحزب خسر كثيرا من عناصره خلال الكمائن التي أعدّها الثوار، ترافق ذلك مع انهيار في المعنويات في صفوف العناصر الذين اعتقدوا أن المعركة سهلة، لكن تبيّن لهم أنها لم تكن معركةً عادية. ليس صحيحاً كل ما حُكي عن انهيارات في صفوف ثوّار القصير، وليس صحيحاً أن مسلّحي حزب الله وصلوا ساحة مدينة القصير، معظم الجبهات لا تزال متماسكة، لكنّ أعداد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين كبيرة. ليس هذا فحسب، خسائر الطرف المهاجم بلغت عشرات القتلى، ناهيك عن الجرحى، من هذه المحصّلة، ينطلق المسلّحون المتحصنين في القصير. معارك ضارية وخلال اتصال عبر «سكايب» مع عضو المكتب الإعلامي في الهيئة العامة للثورة السورية، أمجد القصير، تحدث عن «اشتباكات دائرة على مدار الساعة، لكنهم لم يتمكنوا من التقدم مترا واحدا»، كاشفاً عن «ضراوة معارك ومحاولات مستميتة من مقاتلي الحزب لاستعادة السيطرة على القصير». وأشار أمجد إلى أن «الاشتباكات دائرة على 9 جبهات كالمربع الأمني وحاجز المشتل وحاجز سمير رعد وقرية الضبعة ومنطقة البساتين وفي قرية هيت وهذه جبهة جديدة، إضافة إلى حاجز المصرف الزراعي». وبالتزامن مع ما قال أمجد، كشفت أوساط المعارضة السورية ل «الشرق» عن وصول عدد من العناصر لنصرتهم من عدد من المحافظات السورية ولبنان، وتوعدت هذه الأوساط الحزب ب «جحيم القصير»، كاشفين أنهم قاموا بتفخيخ كل شبر في المدينة بعدما استدرجوا عناصر الحزب إلى أحيائها. وحول الكمائن ومسار العمليات العسكرية قالوا: «لانستطيع الكشف عنها حاليا وخصوصا أن المعركة مستمرة ولا نريد أن يعلموا شيئاً عن تحركاتنا». وقت للحسم في مقابل المعلومات المستقاة من الثوّار، كشفت أوساط حزب الله أن عملية الحسم تتطلّب مزيداً من الوقت. وحول عدد الشهداء الذين سقطوا، ذكرت المصادر أنّهم لم يتجاوزوا الخمسين شهيداً، «وهو رقم ليس كبيراً مقارنة بضراوة الاشتباكات التي تقع»، نافية كل ما يتردد عن أعداد الشهداء الضخمة. ولفتت المصادر نفسها إلى أنّ «أقسى الخسائر التي تلقاها الحزب تمثلت في سقوط القياديين لديه فادي الجزار ومحمد بدّاح خلال أحد الكمائن»، لكنها استدركت «نحن في حرب، ولا حرب من دون خسائر». ونفت المصادر المعلومات التي تحدثت عن سعي الحزب إلى إنهاء المعركة قبل خطاب زعيمه حسن نصر الله نهار السبت المقبل، مشيرة إلى أن عملية الحسم تتطلّب مزيداً من الوقت. إذاً، لم تسقط القصير بعد، لا تزال المعركة في بداياتها، ضراوة النيران وشدّة القصف لم تُنهك ثوّار القصير بعد، يتوعّد هؤلاء جيش سوريا وحزب الله بأقسى الخسائر، يتحدّثون عن «همم مجاهدين تحاكي الجبال»، يعدون القوات المهاجمة بأنّها ستتحوّل إلى «كتلة من نار تحت أقدامنا». في المقابل، لا تزال العمليات العسكرية جارية على قدم وساق، أوساط «حزب الله» تجري تقييماً للعملية فتخلص إلى أن «الأمور جيّدة باستثناء بعض الثغرات»، لكنّها ترى أن الحسم أكثر من ضرورة. المرصد: قتلى الحزب أكثر من 100 بيروت – أ ف ب أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 100 عنصر من حزب الله خلال مشاركتهم إلى جانب قوات النظام السوري في معارك ضد المعارضة خلال فترة تقارب الثمانية أشهر. وأكد المرصد، في بيانٍ له أمس الخميس، مقتل 104 عناصر من حزب الله في ريفي دمشق وحمص، وأضاف أن هؤلاء يتوزعون بين «46 قُتِلُوا خلال الأيام الخمسة الفائتة في مدينة القصير و20 آخرين سقطوا خلال اشتباكات الشهر الجاري في ريف المدينة و38 قُتِلُوا منذ خريف العام الفائت في ذات المنطقة ومنطقة السيدة زينب في ريف دمشق». ميدانياً، حققت قوات النظام السوري تقدما جديدا خلال الساعات الماضية إلى شمال مدينة القصير في محافظة حمص، مضيِّقةً الخناق على أحد أبرز المعاقل المتبقية لمقاتلي المعارضة في المنطقة. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، إن قوات النظام ومقاتلي حزب الله «تمكنوا من الدخول إلى أجزاء كبيرة من قرية الحميدية شمال القصير التي شنوا هجمات عنيفة ومتكررة عليها خلال اليومين الماضيين». وتابع أنهم يشددون الضغط حالياً على قرية عرجون القريبة من الحميدية شمال غرب القصير، وهدفهم استكمال الطوق على المدينة.