هاجم الباحث والمتخصص بفقه اللغة والمعاجم الدكتور عبدالرزاق الصاعدي أقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية، موضحاً أنها تتجاهل اللهجات رغم صلتها بالفصحى. وقال الصاعدي، خلال إلقائه صباح أمس محاضرة بعنوان «فوائت المعاجم القديمة في لهجاتنا المعاصرة»، في خميسية الجاسر بالرياض: إن اللهجات تسهم في تدعيم الفصحى، ودراسة اللهجات تصب في ذلك، وتساعد في تطوير الدراسات اللغوية، مشيراً إلى أن ميدان اللهجات قد يكون صالحاً لكتابة عشرات الرسائل الجامعية، مشدداً على أن تجاهلها لا يجعلها تضمحل أو تتوقف، بل إن اللهجات تنمو وتزدهر، وإن لم يهتم بها المتخصصون فإنها قد تذهب بعيداً عن العربية الفصيحة. وبين أن اللهجات المعاصرة ما هي إلا امتداد للهجات القديمة، غير أنه انتابها شيء من التغيرات الصوتية والصرفية والدلالية، موضحاً أن دراسة اللهجات المعاصرة أمر لابد منه، ومن خلالها يمكن فهم ما فات المعاجم العربية القديمة التي سماها ب»العراقية»، مشيراً إلى أن هذه المعاجم لم تُحِط بجميع ألفاظ اللغة العربية، وهو أمر اعترف به مؤلفوها، فكان هذا هو الدافع الأكبر له في أن يبحث عما سماه بالفوائت التي لم توردها المعاجم. ووصف دور اللغويين القدامى الواضعين للمعاجم العربية ب»المجتهدين»، لكن لا يمكنهم الإتيان بكل ألفاظ اللغة، وأن على المتخصصين الحاليين دوراً في تتبع الألفاظ الفائتة، وألا يكتفوا بالجهود السابقة، لئلا تندثر ألفاظٌ أصلها فصيح. وشدد الصاعدي في المحاضرة، التي أدارها أبو أوس الشمان، على أن في اللهجات ما يهدي إلى فهم بعض القراءات القرآنية، ويسهم في شروح الأشعار القديمة. كما بين أن جهده في هذا الميدان هو لإصلاح اللهجات وتقريبها للفصحى، وذلك برد فصيحها إلى أصله، ونبذ غريبها وملحونها. وعرض إلى أن العلماء العرب القدامى لم يغفلوا دراسة اللهجات، بل إن سيبويه أفرد أبواباً تحدث فيها عن اللهجات في كتابه. وقد عرَّف الفوائت بأنها ما فات المعاجم القديمة تدوينه، بحيث لا نجد ألفاظاً لها في تلك المعاجم جميعها، موضحاً أن هناك نوعين من الفوائت: الفوائت القطعية والفوائت الظنية، فالأولى هي مالم تذكر في المعاجم القديمة، لكن لها ورود في أحد المصادر العربية القديمة مثل الدواوين أو كتب الأدب والنوادر، والفوائت الظنية التي لم تذكر في أي من المصادر أو المعاجم. كما بيَّن أنه وضع لجمع الفوائت عدة معايير، من خلالها يميز ما يستحق أن يعد فائتاً مما لا يستحق، وهذه المعايير هي: اللفظي، ويعني بناء الكلمة واشتقاقاتها، بما يوافق كلام العرب ويمكن قبوله في طبيعة لغتها. والمعيار الثاني هو الدلالة، حيث يجب أن تكون له دلالة قديمة، وأنه لم يبتكر ليدل على أمر جديد. أما المعيار الثالث فهو الجغرافي، أي أن لكل لهجة بيئتها، فكلما وجدت الكلمة مستعملة لدى أكثر من قبيلة في مناطق متعددة، فهو أدعى إلى أن تكون فائتة فصيحة، وربما احتاج الأمر إلى تتبع الكلمة في اللهجات المهاجرة، فالتقاء اللهجات العربية بين المشرق والمغرب على استعمال كلمة ما هو إلا أحد الدلائل على فصاحتها أيضا. وأشار إلى أنه قد يلجأ إلى الموازنة بين اللغات السامية، حيث توجد لدى اللغات السامية كلمات تحمل معاني متشابهة، لم تذكر كلماتها في المعاجم العربية، مثل كلمة «سهك». وعبَّر عن صعوبة الالتزام بهذا المعيار لقلة المجيدين للغات السامية وعدم توفره في كل حين.