تحكي الطرفة أن راعياً أعياه الجوع وهو يسير بغنمه في مفازات الصحراء، وبينما هو يهشُّ فكرة لَعِينة تراوده لذبح إحدى نعاجه ليتخلَّص من جوعه، فإذا بالفرج يأتي سريعاً، فها هو يرى أرنباً نائماً قرب الشجرة التي يستظل بها، ولأن هذا عربي فلم يبادر بالإمساك بالأرنب أولاً، بل وضع «استراتيجية» طويلة «الأمل» للصيد، ففكر أولاً بالحطب، والأرض التي يرعى بها لا يوجد بها سوى حشائش لا تنفع للشواء، ولا وجود للحطب سوى عصاه التي تكمن أهميتها ليس في أنها أداة يهشُّ بها على غنمه، بل هي سلاحه وحاميه -بعد الله- من الذئاب والضباع، فشعر بأنه لابد أن يتخذ قراراً مصيرياً، فكسر عصاه وأشعل بها ناراً تكفي للشواء، ولمَّا توجه للقبض على الأرنب النائم وجده قد فرَّ من مكانه وهو منشغل بإشعال النار، في هذه الأثناء أحس به الأرنب وانطلق، فأفلس من الوليمة وخسر العصا السلاح!. ما سبق طُرفة من «التراث»، أما الطُرفة «الحداثية» فهي- حسب جريدة المدينة في 9/04/2013 :- تلقَّى أحد المخترعين دعماً من بنك التسليف والادخار بمبلغ مليونين ومائتي ألف ريال، وذلك لتمويل اختراع عبارة عن نظام يعنى بصيانة العلامات الأرضية البارزة على الطرق «تنظيف وإزالة الدهانات وتنظيف العواكس الأرضية ومنها ما يعرف بعيون القطط…»! ليس السؤال لماذا بنك التسليف هو الممول، وليس وزارة المواصلات أو وزارة الشؤون البلدية؟. فراعي الغنم أحرق عصاه والأرنب نائم، فيما بنك التسليف يحرق عصاه على الرغم من عدم وجود أرنب! تخيلوا قيمة هذا الاختراع الذي سيحيل عيون القطط إلى عيون زرقاء اليمامة فترشدنا هذه العيون من عشرات الكيلومترات إلى التحويلات التي لكثرتها نقترح أن توضع لوحة «أمامك طريق» بين كل تحويلة وشقيقتها، ليس هذا فقط فائدته، بل تنظيف وإزالة الدهانات.. والدهانات كالدهون لابد أن يتخلص منها الطريق، فقد «حكى لي أحدهم» و«أثبتت الدراسات» أن تشققات الطرق سببها الرئيس «زيادة الكولسترول» في الإسفلت! وبصدق وجديَّة -هذه المرة- فطرقنا للأمانة لا ينقصها سوى «العيون والنظافة»! وعوداً على حكاية الأرنب والعصا.. أنا لا أرى في الموضوع «الاختراع» أي «عصا».. لكنني أجزم أن في الأمر «أرنب»!