عامر حمد المري قبل حوالي ثلاثين عاماً أو تزيد، بدأت فكرة تحويل صحارى المملكة إلى بلد زراعي ثم تحولت الفكرة إلى قناعة ثم تنفيذ، حيث قامت وزارة «الزراعة والمياه» سابقاً بتوزيع الأراضي البور على المواطنين بسخاء والبنك الزراعي يقدم القروض والإعانات بتسهيل أكبر كعاداتنا عند ولادة هذا النوع من المشاريع،مما نتج عنه توزيع الآف الملايين من الدونمات في أغلب مناطق المملكة وفعلاً بدأت بوادر الإنتاج من القمح والأعلاف بكافة أنواعها والخضار وحتى الورد، حتى بدأنا نصدر القمح والأعلاف ونوزع الهبات على دول من أكثر البلدان وفرة للمياه والأراضي الخصبة وأعمتنا لذة ووهج الانتصار عن الجوانب الأخرى السلبية لهذا القرار ثم ترك الحبل على الغارب، ولم توضع إستراتيجية محددة لتقييم التجربة من جميع الجوانب لدراسة السلبيات والإيجابيات واستمر الوضع على هذا المنوال، بحيث يستطيع المواطن تقديم الطلب له ولأفراد عائلته ممن بلغوا سن الرشد إناثاً وذكوراً للوزارة وعليه تقديم جدوى اقتصادية للمشروع من قبل مكاتب استشارية مقابلة للوزارة وهذه المكاتب بمنتهى البساطة تمنح هذه الدراسة من ثاني يوم بعد دفع الرسوم. سبحان الله هم يمنحون نفس الجدوى الاقتصادية لمشروع خضار في تبوك لنفس المنتج على أطراف الربع الخالي، ثم تحول أوراقك لفروع الوزارة وبعد استلام قرارك الزراعي والترخيص تستطيع الحصول على القرض والإعانة من البنك الزراعي بعد ذلك تستطيع زراعة نفس المنتج المحدد في قرار التوزيع لأول مرة حتى حصولك على وثيقة التمليك ثم تتصرف في هذه الأرض كما تريد. الآن وبعد هذه السنوات الطويلة من هذه التجربة وبعد أن كتب كثير من أصحاب الاختصاص وكتب مسؤولون في الدولة وحذروا من أن ما ننتجه من أعلاف قد استنزف المخزون المائي المتجدد وغير المتجدد ونحن الآن على أبواب أزمة عطش مقبلة ليس للزراعة وإنما للإنسان. ومن واقع التجربة فإن المحور الواحد بالمواصفات الموجودة يستطيع بالتشغيل العادي سحب 1500 جالون في الدقيقة، علماً بأن غالبية المزارعين يلجأون إلى تطوير مراوح سحب المضخات وإضافة ريش إضافية لضخ كميات أعلى من المياه حتى ولو نزل منسوب المياه، فهم يحتاجون فقط لمزيد من وقود الديزل وطبعاً أسعار الديزل أرخص من المياه فليست هناك مشكلة والأمر الأهم من ذلك أن مشاريع الأعلاف في المناطق الصحراوية ذات الحرارة العالية 50 درجة يصبح الفاقد بالتبخر من المياه أكثر مما يستفيد منه النبات. وبحسبة بسيطة للمحور الواحد نستهلك في الساعة تسعة آلاف جالون. وأغلب المزارعين يشتغلون بمعدل عشرين ساعة يومياً، أي نستهلك مليوناً وثمانمائة ألف جالون في اليوم، يعني أننا نستهلك سبعة ملايين ومائتي ألف لتر، أي ما يعادل ثلاثمائة وستين صهريجاً سعة عشرين ألف لتر يومياً؛ فكم يكون الاستنزاف في العام ولمئات الآلاف من المشاريع الزراعية؟، علماً أن أغلب مشاريع الأعلاف غير مجدية اقتصادياً، ووزارة المياه لا تزال تتعامل مع الموضوع بتوعية المواطن بقطرات الصنبور واستهلاك الخروف اليومي للمياه. علاوة على ذلك فإن المزارعين يستخدمون أخطر أنواع الأسمدة والمبيدات للأعلاف والخضار على حد سواء، وأغلب المشاريع الزراعية سلمت لعمالة أغلبها سائبة وتركوهم يعبثون بالمنتجات الزراعية. ولم يسبق لنا أن شاهدنا رقابة على هذه المنتجات سواء في المزارع أو قبل وصول المنتج لنقاط التوزيع للإنسان والحيوان. ولعلنا تعشمنا في بعض الأمل عندما فُصلت الزراعة عن المياه، ولكن للأسف كان فصلاً جغرافياً لا أقل ولا أكثر، وكنا نأمل أن يحصل مزيد من التخصص والوقت للوصول إلى الفائدة المرجوة لهذا الفصل على طريقة طبيبنا ووزيرنا الفذ (الربيعة) بعد هذا كله لا يزال هناك مزيد من التعديات والحفر العشوائي في جميع مناطق المملكة وخصوصاً من منطقة «حرض» إلى أطراف الربع الخالي مروراً بيبرين. أرى أن تكون هناك آلية فعالة لكل وزارة على حدة، للتعامل مع هذا الموضوع الخطير، وأولها منع توزيع بذور الأعلاف وإيجاد غرامات ثقيلة لوقف هذا العبث والزحف على المراعي الخصبة وتدمير الغطاء النباتي بكافة أنواعه.