مضى على ربيع مصر قرابة العامين ولكن ما الذي تغير؟ المؤكد أن الأدوار فقط هي التي تبدلت! فجماعة الإخوان المسلمين التي طالما عاشت مراحل صدام مسلح مع السلطة الحاكمة ودفعت ثمن ذلك الصدام غالياً من الأموال والأنفس، هي التي أضحت تتبوأ المشهد السياسي، واستطاع أحد المنضوين تحت لوائها أن يجلس على عرش المحروسة. في حين أن صنيعة ثورة يوليو 1952 وابن المؤسسة العسكرية وفرعون مصر الصغير، هو من يقبع الآن في غياهب السجن. كيف؟ ولماذا؟ هي فقط السياسة. فن الممكن، والأنثى التي لا يعول عليها. ما إن تهدأ أزمة حتى تجدّ أخرى، وكأنه قدر لهذا البلد أن لا يهدأ. أو كأن هناك يداً أخرى تعمل في الخفاء. تلك اليد أو ذلك الطرف الآخر الذي أطلق عليه الإعلامي عماد الدين أديب – بخفة دم المصريين – مسمى «اللهو الخفي». وإن كنت أعتقد جاداً أن تقديم بعض التنازلات والتقاء جميع الفرقاء على طاولة الحوار بالإضافة لإشراك بعض من هم خارج محيط السلطة – من بعض رموز الأحزاب الليبرالية- سيسهم بلا ريب في تجاوز ذلك النفق المظلم الذي تسير فيه مصر الآن. وضع مصر الآن – في نظري – لا يستدعي مزيداً من القلق. فمن المؤكد أن أي ثورة تحتاج بعد نجاحها إلى مزيد من الوقت كي تنضج وتتمكن من السير على أقدامها، مع ما يتخلل ذلك من فترات غليان وتصفية خصومات وعقد تحالفات وتغيير ولاءات. ففي فرنسا، تمكن بسطاء الشعب وفقراؤه من تحطيم سجن الباستيل الرهيب والإطاحة برأس لويس السادس عشر وقرينته الملكة مارى أنطوانيت، تلك البريئة الجميلة التي أعتقد أن جهلها بحقيقة الشعب الفرنسي هو الذي أوردها المهالك. ولكن فرنسا بعد ثورتها قضت فترة ليست بالقصيرة تحت نير التصفيات الجسدية، حيث كانت «المقصلة» هي التي تتسيد المشهد. تدحرجت رؤوس أشهر زعماء الثورة ابتداءً باليعاقبة ومروراً بالمحامي روبسبير وانتهاءً بصديقه الذي أضحى عدواً، وأعني به الخطيب والثوري جورج دانتون. وفي روسيا، جرب «المناشفة» أن يصنعوا ثورة فعلقت رؤوسهم على المشانق ليتمكن أصدقاؤهم «البلاشفة» بعد أعوام من تحقيق الحلم الروسي المجيد على يد الرفيقين لينين وتروتسكي وباقي العصبة الشيوعية، ولكن كيف كانت النتيجة. تم إعدام القيصر نيقولا الثاني وأفراد عائلته، لتخوض البلاد في مستنقع من الدماء بلغ ذروته مع وصول الرفيق ستالين للسلطة، الذي نفى وقضى على قرابة المليونين في معتقلات سيبيريا. نضجت تلكم الثورات واستطاعت عبر عقود من الممارسة السياسية – الدموية – من تطهير ذاتها لتطل علينا فرنسا الآن بوجهها الحضاري، ولتبلغ روسيا في فترة الحرب الباردة أوج مقدرتها العسكرية قبل تفككها من خلال تطبيق سياسة البيريسترويكا التي انتهجها الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف. وأعود لمصر ولباقي بلدان الربيع العربي، فأقول: إني لا أريد لها أن تعيش مصيراً مماثلاً يشابه غالبية ما تمر به الثورات العالمية قبل وصولها لمرحلة النضج. وإنما نريد لها أن تصل لاستقرارها السياسي بسرعة، وأن تتمكن من تحقيق تعافيها الاقتصادي في أقرب وقت تمهيداً لتحقيق واقع الدولة الحلم الذي دفع عديداً من أبنائها أرواحهم ثمناً له.