ومن صور ثقافة التقاضي الطبي أن يكون الثأر للكرامة الشخصية دافعاً وحيداً لتقديم الشكوى وهذا مرتبط بتعالي بعض الأطباء، هذا التعالي قد لا يكون أصيلاً في شخصية الطبيب لكنه يبدو كذلك بسبب الانشغال أو الاستهانة بتفكير المريض وذويه وأنهم قد لا يستوعبون ما سيقوله لذا يمضي الطبيب قدماً في المعالجة حتى يجد نفسه أمامهم في قاعة المحكمة ويكون محور النقاش هذا التعامل السلبي منه لا ذلك الخطأ المحتمل! وهناك من يدعي على الطواقم الطبية لا لغرض شخصي بل بدافع المصلحة العامة -وفق اعتقاده- وتجنب تكرار الخطأ في حق آخرين وتجد المدعي في نهاية الأمر يتنازل عن حقه الشخصي ويترك الحق العام لتقدير الهيئة. وتوجد فئات قليلة يكون الدافع المادي هدفها الأساس للحصول على تعويض، وهذا جزء من ثقافة المتاجرة بالمريض حياً أو ميتاً. ومن حالات ضعف ثقافة التقاضي لدى المجتمع عدم القدرة على التفريق بين الأخطاء والتقصير المرتبط بالأفراد وذلك المرتبط بالمؤسسات فهناك أحيانا خلل مؤسسي تتحمله الجهة مقدمة الخدمة ككيان مؤسسي لا أفرادها وهذه مكانها ديوان المظالم لا الهيئات الصحية الشرعية، لكن الغفلة عن ذلك بسبب ضعف الوعي يفقد الموضوع بوصلته. هذه الصور وغيرها مما تطرقت له في الجزء الأول تجود لنا بتصور عن ثقافة المجتمع في الصحة والمرض وهي منتج نهائي مرتبط بأمرين، الأول: وعي فرضه أداء الأطباء الذين هم نتاج مدارس مختلفة من خارج البلد ولم يوجد نظام صارم يمكن من توحيد هذا الأداء فكانت النتيجة سلبية في حق وعي الناس. الثاني: أمر مرتبط بغياب ثقافة العلم لدى المجتمع وقد عالج الزملاء في «الشرق» هذا الأمر في مقالات عدة، لكن الاختبار الحقيقي لثقافة العلم يكون هنا عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان، فالملاحظ غياب تام للأدبيات العامة حول ثقافة العلم في الاتجاه الطبي عند مناقشة المدعين تحت مظلة الهيئة الصحية الشرعية، بل إن بعضهم قد يخسر قضيته لأنه كحاطب ليل لا يدري ما التقطت يداه، وعندما يضاف إلى ذلك غياب الأذرع الإعلامية المهتمة بالتثقيف الطبي العلمي/الحقوقي ، التي تعالج هذه الإشكاليات من منظور واقعي بعيداً عن التهريج الإعلامي من جهة وعن الإغراق في التقليدية من جهة أخرى، فإن النتيجة هي ما نرى من توقعات عالية في غير محلها وتهرب من الشراكة في القرار والرعاية. إن الحاجة لحضور المستشارين القانونيين القادرين على التعاطي مع قوانين الممارسة المهنية الطبية ماسة في هذا السياق حتى تستنقذ الأمر من حالته العاطفية الانفعالية وتذهب به نحو الاتجاه القانوني المتعقل الذي يغذي حتما الوعي العام، وهذا الحضور يجب أن يكون إعلامياً وتثقيفياً ثم إدارياً ولعل إدارات علاقات وحقوق المرضى المستحدثة قريباً تصلح منطلقا للفكر الجديد. كان هذا الجزء والذي قبله عن المجتمع وفي المقالات القادمة حديث عن مقدمي الخدمة مؤسسات وأفرادا.