«0» لكم وَددتُ أنْ أظلَّ كما أنَا: تلك النّحلةُ الصّغيرةُ.. التي لا تنتشي مزهوّةً إلا حينما يُنَاغيها كلُّ مَن حولَها ب: «نحّولة». ودِدتُ أنّ أبقى محضَ نحلةٍ حتى وإن بقيتُ في آخر سلّم لِعاملاتٍ لا يحفلُ بهنَّ عادةً ولا يكترث لشأنِ أُنوثتِهِنَّ.. إي والله لكم وددتُ أن أظلّ هي أنَا: «نحولة» مِن غيرِ أن أَكبُرَ، أو أن أُجلّلَ بروبِ لقبٍ زاهٍ. أُقسم لكم أنّ بقائي بوصفي: «نحولة»، هو أَحبُّ إلي بكثيرٍ، مِن أن أكون ذلك الذّكر، الذي ما فتئ يتبخترُ في عباءةِ لقبٍ فخمٍ، بينما هو لا يعدو أن يكونَ كبيراً لفصيلٍ ينتسبُ إلى قبيلةِ همجِ: «الذُّبان»! إنه مشهدٌ بالمرّةِ يفيضُ كآبةً أثناء تذكّرهِ، فكيفَ إذن وأنا سأصيرُ إليهِ، إذ سأجرجرُ إليه بتلابيب غصباً؟! يا ليتني متُ قبل هذا وكنتُ نسياً منسيّا. سيانَ عندي أأموتُ على فراشي، أو أن أهلكَ مسحوقةً تحت قدمِ طفلٍ سمينِ ينتعلُ حذاءً مصنوعةً من جلدِ حمارٍ أبكمٍ؟! «1» لئن كانَ طعمُ العَسلِ مرّاً، إذ سالَ آخرَ مرّةٍ على شفاهِكم، فإنه بسببٍ مِن: (ميكانيزم) نفسيّتي القلقةِ، جرّاءَ انتظارِها لمستقبلٍ طافحٍ بالبؤسِ وبال: «…» حيثُ الانتقالُ فيهِ راغمةً، مِن عالمِ التقوّتِ على رحيق كلِّ الثمراتِ، إلى وجباتٍ ثلاثٍ، لا يمكنُ لمِن تناوِلها إلا وأنا في: «الحُشِّ» مُتلثّمة، أو هناكَ: في مَكَبِّ نِفاياتِكم، لِالتهَامِ ما فَضُلَ مِن بقَايا مُنتَجات: «بامبرز»! أيّ عذابٍ إذن هو أقسى من هذا؟! كنتُ قبلاً شيئاً ذا بالٍ في حياتكم إذ تشربون ما يخرجون من بطني شفاءً! أرأيتم جحيماً أسوأ من انقلاب هذه المعادلة؟! أبقيَ فيكم من أحدٍ – بعد هذا – يسوغُ له أن يُثَرّبَ علىّ صُراخي حد الجّزع؟! «2» وبكلٍّ –يا سادةُ- فنحن معاشر النحل- صغيرنا قبل كبيرنا- لَمّا أن التزمنا أمر: «الوحي» كانت منازلنا -إي وربي- تُشبهُ قامَاتِنَا، بحيث اتّخذنَا لنا في الشاهقِ من الجبالِ بيوتاً، في الأثناءِ التي جعلنا فيها الوهادَ والحفرَ نُزُلاً لِمن هم دونَنَا. ناهيكَ بصيفٍ (ربيعيٍّ) كُنّا نُمضي سويعاتِ أصيلِهِ سنوياً في أعالي الشجرِ وفي ما تعرشون! وما هيَ إلا أن ارتكبنا منزلقاً صعباً، وذلك يومَ أنْ خالفنا: «الوحي» وأمرَهُ، حتى ألفينا أنفسَنا أسرى مزابلكم!، وأوشكنا بل كِدنا لا نبرحها إلا إلى: «الخلا»، وما تطوّرَ عنها مِن: «الكُنُف». وما لبثنا غيرَ ساعةٍ حتّى تنكّبنا بالتألي سبل ربّنا ولم نسلكها ذللاً فاستبدلنا الذي هو أدنى -فُضلات الذبابِ- بالذي كانَ يخرجُ مِنا وهو خير! «3» سَدّت علينا: «الملكةُ» بِما لها من سطوةٍ، منافذَ الفضاءاتِ كلَّها.. وبتنا من غيرِ سماءٍ بالمرّةِ، وما اكتفتْ بجبروتِِها هذا وحسب، وإنّما عمدت إلى استثمارِ سلطتِها!. وفيما نحنُ على هذهِ الحال، نفدَ مخزونُ: «الأزهار» كلّهُ، فأخذتنَا بالتالي سنواتُ من النومِ بسببٍ من الرّهق والضّيم، وما إن صحونَا ضُحى الغدِ، وإذ بنا في هرجٍ ومرجٍ، وما من أحدٍ فينا آنذاكَ إلا وهو ينكرُ وجهَ صاحبه أو صاحبتِه. ورحنا مِن ثّمَ في هياجٍ يملأُ المكانَ.. وبِتنا لا نكفُّ عن الصراخِ بحيث أخذَ كل أحدٍ فينا يصرخُ في وجه الآخر:«أنت ذباب.. أنت ذباب» ألا تَرى إلى نفسِك؟!.. ظنّا مِنّا أنّ واحداً فينا فقط هو مَن قد استحالَ: «ذبانة» كبيرةً!، «4» دَويُّنَا: «سيمفونية» باذخة المَغْنى، إذ طفقنا نرقصُ حين كنا: «نحلاً» على إيقاعِها الدّبقِ، بما كّنا نمجّه حُبّاً من عسلنا المصفّى، في حين يكون الرقصُ على: «حبّة ونص» قائماً -على وِدنه- بالجوارِ، وبفعلٍ مِن وقع طبل: «الطّنينِ»! في حلبةٍ يذرعها برقصهِ مرَحَاً: «ذبابٌ كبيرٌ». هكذا إذن.. أُقادُ قهراً نحو بِست «مزبلةٍ» تُحشَرُ فيها كل أطيافِ: «البكتيريا» مِن فوقنا ومن تحت أرجلِنا.. إنه الرّقصُ يأتي هذه المرّةِ على جراح القِيم.. ومن يومها ستنصتونَ جيداً في حفلة: «زار الذبان» إلى مَن لا يتوانى في التهكمِ على شهدِنا بقوله: إنّه قئُ الزنابير! لقد قلتُ لجدّتي: «الملكةِ» ذاتَ حزنٍ وهي تربتُ على كتفي، محاولةً منها في التّخفيفِ علىَّ جرّاءَ ما أصابني من مكرِ التّحول: يا جدّةُ.. ليس كلُّ مَن امتلكَ جناحين، وغدا بهما يَطيرُ، صارَ: «نحلةً»! يا حفيدتي- ردّت الجدّةُ بصوتٍ متحشرجٍ- قائلةً: مهما يكن من أمرٍ يا صغيرتِي ف: «الذبابُ» يظل شقيقاً لنا.. وكان في إجابةِ جدّتي ما هو أشدُّ ألَماً علىَّ من تحولي إلى: «ذباب»! نفقت جَدّتي بعد ما لقّحَها ذكرٌ دخيلٌ علينا، بينما تؤكّد لي أنّه ليسَ لي إلا أن مغادرةَ المكانَ كُلّهُ.. راضياً – وفقَ عقيدة الجبرِ- بما آل أمري إِليه. ولعلّ هذا ما أُريدَ لي أن أكونَهُ. وما هي إلا ثوانٍ وإذ بي أحرّكَ الجناحين.. ولا تسمعون منّي غير عزفِ: «الطّنين» تِباعَاً: إززززإززززززإزززز «5» آخرُ منجزاتِ: «لا للفليت»!.