تعرض طفل يبلغ من العمر (سنتين ونصف) لضرب مبرح على يد أبيه الذي ألقاه بعنف على المدفأة ليُصاب بنزيف في المخ مكث على أثره في العناية المركزة 11 يوما، ولأن الإصابة كانت أقوى من أن يتحملها طفل في هذا السن فاضت روحه إلى بارئها، وكان القضاء قد سجل في أكثر من حادثة عدم تنفيذ حكم القصاص بالأب الذي يقتل ولده، فخرج الأب من السجن بعد أن حُكم عليه (بسنتين) فقط وكأن حياة الطفل لا قيمة لها، لنستحضر لاإرادياً الرحمة والجنة والنار في قصة المرأة التي دخلت النار بسبب هرة حبستها ولم تطعمها، وقصة الكلب الذي أدخل الرجل الذي سقاه الجنة، وأكثر من قصة لطفل قتل على يد أبيه لتخرجه الأحكام من السجن!! كان قد أكد وزير العدل خلال لقائه في لوكسمبورج برئيس اتحاد المحامين الأوروبيين وأثناء إلقائه محاضرة مهمة هناك أن المرجعية القضائية في المملكة تعتمد النص الإسلامي، وربما كان من الضروري أن يوضح الوزير أهمية اتباع النص القرآني لأن أكثر أهل العلم أصبحوا يتمسكون في أحكامهم بما نصت عليه الأحاديث الضعيفة التي اختلف عليها العلماء مثل الحديث المشهور (لا يقتل والد بولده) ويعده آخرون ضعيفاً؛ لأن قتل الوالد لولده من أعظم القطيعة وأنكر القتل؛ إذ إنه لا يجرؤ والد على قتل ولده مهما حدث، حتى الحيوانات المفترسة لا تجرؤ على أن تقتل أو تفترس ولدها بل ترفع حافرها عنه خوفا من أن تؤذيه، ويتعارض ذلك النص مع أحكام القتل الواضحة في القرآن في أكثر من آية ولا تحتاج إلى تأويل مثل قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى…» (178البقرة) ولم يرد أي نص يستثني الأب أو الأم من القصاص علي الرغم من مكانتها العظيمة في الإسلام، فهل يعقل أن يكون جزاء من قتل ولده أن تُخفف عقوبته!! والمتابع لهذا النوع من القضايا سيشعر بالغضب والرفض لأن هذا السيناريو أصبح يتكرر بنهايات أكثر ألما؛ ليكشف لنا مزيدا من سوءات القتلة والمواريث الاجتماعية التي تمارس ولا تمت للدين ولا للإسلام بصلة، تتكرر الجريمة باسم ضحية مختلف؛ لتنمو الغصة وتتضخم في جوف مجتمع بات مهدداً من مستقبل مجهول لن يحدد ملامحه سوى الشعور بالأمان وبأن هناك عدلا وقانونا وعقوبة رادعة لمن يرتكب أي جريمة دون تبريرها بالمرض النفسي أو الغضب أو أي عذر يسمح للمجرم بالفرار من العقوبة، والأمر الذي عجزت عن تبريره أو تمريره تحت أي ضغط من الممكن أن يكون قد تم ممارسته على الأم هو كيفية تقبلها لمسألة العودة إلى الرجل الذي شاهدته وهو يقتل ولدها من الضرب ليست مرة واحدة بل مرتين، لتكمل حياتها معه كأسرة طبيعية بعد خروجه من السجن!! هناك مواقف مصيرية يظل الإنسان يدفع بسببها ثمن تداعيات قراراته السلبية طيلة حياته؛ ليصبح موقفه غير الإيجابي السبب الرئيس لوقوع جرائم أكبر كان من الممكن أن يتفاداها، ويفاجئك البعض بعدم الإحساس بأنه جزء من الأزمة وأن السكوت والرضا على الضرب والعنف يعد المشجع الرئيس على تضخم المشكلة التي تتحول إلى سلسلة من الأخطاء لا تنتهي عادة إلا بكارثة، وهذا ما حدث بالفعل حين رُزقت منه بصبي آخر (متعب) الذي كان ينهال عليه بالضرب والرفس والجلد بواسطة سلك كهرباء وبالعقال ليشتعل الألم في ذلك الجسد الصغير الذي لا يستحق سوى الحنان والاحتضان، لتفيض روح أخرى إلى خالقها ويلحق بأخيه (جعلهما الله من عصافير الجنة وعوضهما بأبٍ خير من أبيهما). وبعد خروج الأب هذه المرة من السجن عادت الأم (للمرة الثانية) بتسجيل موقف سلبي آخر حين قررت أن تكمل حياتها معه بعد وفاة (خالد ومتعب)؛ لتبدأ سلسلة أخرى من الضرب والاستفزاز والتهديد بأخذ البنات منها، فانتقل إلى القصيم ثم إلى الرياض وضغط عليها بمزيد من التهديدات انتهت بأخذه للبنات، هذه المرة خرجت الأم تستغيث في أول موقف إيجابي تأخر كثيرا، وناشدت السلطات للتدخل لإنقاذ بناتها اللاتي تشعر أمامهن بالعجز وهي تسمع صوت بكائهن حين يتصلن عليها يشتكين ضربه العنيف للأخت الصغيرة، ولا أدري كيف استطاعت أن تقضي يوماً بعيداً عنهن، وسماع أصواتهن دون أن تذهب لإنقاذهن. ومع الأسف جرت العادة بين الأزواج المختلفين باستغلال الصغار وإقحامهم بكل أنانية في مشكلات الكبار للفوز بالمعركة؛ إذ لم تحدد القوانين الشخصية والأسرية في المملكة عقوبة من يستغل أو يقحم الأبناء أثناء الخلافات الزوجية ببنود واضحة، وكنت أتمنى أن يكون خلف كل شهادة ميلاد تحذير يطالب بالاهتمام بصاحب الشهادة وعدم ضربه أو استغلاله أو إهماله والمحافظة عليه أكثر من الشهادة نفسها، فمنهم من يحرق ويشوه صغاره ليقهر الطرف الآخر، ومنهم من يصل لمرحلة القتل وتتستر عليه زوجته من أجل أن يحبها وتبقى في حياته، ومنهن من تستخدم أبناءها كطعم لتلقين زوجها درسا، ومنهن من تدفع صغارها للقيام بواجباتها كأم لتتفرغ هي لإرضاء رغباتها ورغبات زوجها، ومنهن من تتمحور حياتهن على إنجاب أكبر عدد من الأطفال ليتركوا للشارع في نهاية الأمر، وإذا كان ذلك الأب مريضا نفسيا ويعاني من اكتئاب واضطراب في الشخصية كما صرحت زوجته فلماذا مازال طليقاً دون علاج؟ ولماذا لم يخرج من السجن إلى المستشفى؟ في نهاية الخبر الذي نشرته الصحف تساءلت الأم مستنكرة: (كيف تعيش البنات عند أبيهن ومازالت جريمة قتل متعب ماثلة أمام أعينها؟)، ليدفعني هذا السؤال إلى توجيه آخر: هل شعور الزوجة في نفس الأنثى أقوى من شعورها بالأمومة؟ إذاً كيف استطاعت (الأم) أن تعود إلى قاتل ابنيها والعيش معه والإنجاب منه بعد أن (قتلهما من الضرب)!!