أوضح الباحث الدكتور عبدالله السفياني أن الدراسات المتعلقة بالخطاب الفقهي كانت ومازالت تتم بمعزل عن دراسة الفقيه نفسه، حتى وصل الخطاب الفقهي إلى مرحلة «قداسة النص» نفسه، مشيراً إلى أن الفقيه لا ينفك عن مكوناته النفسية والاجتماعية، حين يفهم النص ويصدر فتوى أو خطاباً فقهياً. وقال السفياني خلال محاضرة «حجاب الرؤية.. قراءة في المؤثرات الخفية على الخطاب الفقهي» وهي عنوان إصداره الأخير، ألقاها في النادي الأدبي بالرياض مساء أمس الأول: إن إلزام الناس بالقول الفقهي الواحد قول خاطئ. وإنه دلالة على ضعف وسقم، مشيراً إلى أن «القول الواحد والتربية عليه تورث جيلاً متعصباً، ويقدس القول والعالم». وحذر السفياني الفقهاء مما أسماه «استجلاب الفتوى»، أي أن يصيغ السائل السؤال بطريقة معينة فيها الجواب، ويقاد الفقيه دون أن يشعر فيجيب بجواب موجود في السؤال خصوصاً في المسائل الاجتماعية والسياسية والفكرية، وقضايا تصنيف الأشخاص والرد عليهم. وتطرق إلى تحكم الأهواء في العلماء عند الفتوى، مركزاً على الهوى الخفي والهوى المركب، وقال إن ابن تيمية تحدث عن هذين النوعين من الهوى. ونوه إلى أن العلماء شعروا بذلك، مثل ابن الجوزي، مشيراً إلى أنه أدرك أن نفسه مالت في لحظة ما إلى فكرة أو فتوى، وكذلك الذهبي حين قال «لعلي حابيته»، مشيراً إلى تنازله في بعض الآراء لشيخه محبة له. وسرد السفياني عدداً من العوامل التي تحجب الخطاب الفقهي، مثل الاستبداد وما يحدثه من آثار في المجتمع، تجعل الفقيه لا يختار القول الراجح بدقة. وبين أن المكونات النفسية للفقيه تلعب دوراً في إنتاج الخطاب، مشيراً إلى أن الفقهاء مختلفون فيما بينهم في مدى انفتاحهم على ذواتهم. كما بين أن تضخم «الأنا العليا» عند الفقهاء «شيء طبيعي»، بحكم التربية والتنشئة وقوانين المجتمع، ولا عجب أن يظهر التشدد عند بعضهم بناء على ما تعزز من الأنا العليا لديه من المثالية، فيختار من الأقوال أشدها وأحوطها. وأشار إلى أن نمط الشخصية يؤثر على اختيار الفقيه.