ازداد قلق العالم العربي والإسلامي بعدما تم التعرف والقبض على المشتبه بهما في تفجيري ماراثون بوسطن الذي حدث يوم الإثنين الماضي الموافق 15 إبريل 2013م، وتم إثبات علاقة الشقيقين الشياشانيين المسلمين اللذين ينتميان لإقليم القوقاز به، وهما تيمورلانك الذي قتل في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة وجوهر تسارناييف المقبوض عليه لاحقاً. كما تم الحصول على معلومات أولية قد تفيد في التحقيقات كقرائن لإثبات نشاطهما بوضع المشتبه به الثاني جوهر تسارناييف 19 عاماً، روابط لمواقع إسلامية ومواقع أخرى تدعو إلى استقلال الشيشان على صفحته في موقع للتواصل الاجتماعي باللغة الروسية. وبالرغم من عدم فكّ شفرات أسباب قيام هذين الشابين بهذا الفعل الذي لا ينتمي للإسلام ولا يمتُّ إليه بصلة، وبالرغم من خروج المشتبه بهما من الإطار العربي إلّا أنّه ما زالت هناك وصمة تجاوزت الإطار الشرق أوسطي لترتبط بالعالم الإسلامي ككل وتصم بهذه الشبهة ولو مجازياً تعداد مسلمي العالم الذي تجاوز 1.6 مليار نسمة حسب «مركز بيو لأبحاث الدين والحياة» عن إحصائيات 2010م. وبعد كل ذلك فما زال هناك شيءٌ من القلق خاصة وأنّ صورة المسلم في الإعلام الغربي هي صورة العربي المسلم وليس الإندونيسي أو النيجيري مثلما قال المفكر المغربي محمد عابد الجابري في إحدى الندوات: «إنّ صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي صورة مصنوعة. عندما يفكر الغربيون في الإسلام فإنّهم لا يفكّرون في إندونيسيا التي يزيد سكانها على معظم تعداد الدول العربية، أو نيجيريا التي يزيد عدد سكانها على المائة مليون، لكنهم يفكرون في العرب». وهذه الحالة التي ارتبط فيها اسم الإسلام بتفجيرات بوسطن، تعيد إلى الأذهان ذكرى تفجيرات سابقة أبرزها تفجيرات برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والتي سقط نتيجتها آلاف الضحايا والجرحى في 11 سبتمبر عام 2001م. تلك التفجيرات أحدثت تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بدأت مع إعلانها الحرب على الإرهاب، فكانت الحرب على أفغانستان وسقوط نظام حكم طالبان والحرب على العراق، وإسقاط نظام الحكم هناك أيضاً. ومثلما فعلت تفجيرات برجي مركز التجارة الدولية فإنّ من شأن هذه التفجيرات أن تعمّق الهوة أكثر بين المسلمين والغرب. كما أنّها تزيد من مخاوف المجتمعات المسلمة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وتذر جهودها المضنية للرياح الغاضبة إثر التفجيرات، وتعمل على تبديد كل ما تم خلال العقد الماضي من محاولات في سبيل تحسين صورة المسلمين والتعريف بالإسلام في العالم الغربي. وبالطبع فإنّ من يساهم بالقدح المعلّى في هذه العلاقة المتضاربة هو بعض وسائل الإعلام الغربية وبالذات تلك المنتمية إلى اليمين المسيحي والذي لا يكتفي بتغذية الشعور الجمعي الغربي بخطورة الإسلام وعدائيته وإنما بتوقعات ما يمكن أن تصل إليه هذه العدائية إن لم يتم قتلها في مهدها. تقوم بعض وسائل الإعلام الأمريكية بحمل إعلان «الحرب على الإرهاب» في صدارة تناولها الإعلامي وتعمل على تنميط هذا الإعلان ليحكم خطابها لجمهورها الأمريكي والغربي فكانت النتيجة أن اختلط التناول الإعلامي المسؤول بالحملة الدعائية لمفهوم الحرب على الإرهاب. وعدم الفصل بين الدورين جعل الملخص الإعلامي يصل للجمهور متضارباً وغير دقيق. كنت فيما قبل أعتقد أنّ المهنية الإعلامية الغربية -وبدون استثناء- شيءٌ منزّه عن النقائص والانحياز ولكن في دورة خاصة بتغطية قضايا الدين والسياسة العالمية في شهري يناير وفبراير 2013م والتي أقامها المركز الدولي للصحفيين بواشنطن لمجموعة من الصحفيين من مختلف الجنسيات والديانات، تبدت لي بعض الحقائق. فمن خلال المدرّب المخضرم ستيفن فرانكلين الصحفي بشيكاغو تربيورن ومجموعة من المدربين الدولين، اكتشفنا أنّ صياغة الأخبار والتقارير السياسية والتي لها علاقة بالدين غالباً ما تتم صياغتها تحت عوامل معينة. تعلمنا أنّ المؤسسات الإعلامية الغربية التي تدعّي الحيادية خاصة اليمينية المتطرفة، فإنّها في ظروف معينة تتخلى عنها مأخوذة بالعاطفة خاصة فيما يتعلق بالنزاعات الدينية والكوارث الإنسانية، وتطغى على التغطيات مسحات عاطفية قد تعمل على ضبابية المشهد الإعلامي. وربما ينفع هذا التناول إذا كان هناك إحساس بأنّ الإعلام يتعامل مع الأخبار كآلة ولإعادة توازنه تتم المناداة بأنسنته. وقد لاقت هذه الفكرة الأخيرة (أنسنة الإعلام) جدلاً لم تتفق الآراء حولها، فبعضهم يرى أنّ شيئاً فظيعاً مثل عرض صور الضحايا في النزاعات على وسائل الإعلام هو نوع من إظهار الحقيقة كما هي مثل المجازر ضد المدنيين وخاصة النساء والأطفال في الحرب في سوريا وذلك لإحراج كمية الشر الموجودة في هذه النزاعات، وبعضهم الآخر يرى أنّ حجبها هو الأولى وذلك لدواعٍ إنسانية وهكذا. وليس بخافٍ على المتابعين أنّه في أجواء الأزمات وحدها يتم اختبار تناول وسائل الإعلام بمدى التزامها بالقواعد الرئيسية للعمل الإعلامي آخذة في الاعتبار مضامينه السياسية والدينية وغيرها. فإذا كان الموضوع يمس بشكل من الأشكال استراتيجية الأمن القومي الأمريكي مثلاً فهذه ستطرح بدورها أسئلة رئيسية على الإعلام الأمريكي، إذ إنّ التخوف الأمريكي من الإرهاب، يوازيه تخوّفٌ مقابل من كل ما له علاقة بالإسلام خاصة الإسلام السياسي. ودعّم من هذه الفرضية أنّه عملياً لم تتلقَ أي من الحركات المرتبطة بالدين اهتماماً بقدر الاهتمام الذي حظي به الإسلام السياسي، إلّا أنّ شرح الإسلام السياسي يمثّل تحديّاً بالنسبة للإعلاميين. فإعلامنا العربي الإسلامي ما زال يواجه تحدي اختبار المهارات الإعلامية في تحليل مثل هذه القضايا المعقدة والحساسة، وفي تقديم أفضل صحافة ممكنة وعلى قدر من المهنية. ثم هناك مشكلة تتعلق بالتسميات في مجال تعاملها مع الإسلام السياسي مع احتمالية تضليلها للمتلقي. قد يرغب الإسلاميون بمزج الدين والسياسة، ولكن لأنّ استراتيجياتهم تختلف اختلافاً كبيراً عن استراتيجيات الغرب التي تفصل الدين عن السياسة فإنّ الإطار العام يضيق في هذه النقطة بحيث لا يسمح بمزيد من التسميات الوسطية ولذا فنجد أنّ لهم تسمياتهم ولنا تسمياتنا الخاصة. ولكن ولأنّ كل قاعدة لها شواذ فإنّ هناك بعض الأصوات الشجاعة وقفت لتقول كلمتها لمواجهة العاطفة السالبة ضد الإسلام في التناول الإعلامي. فقد كتب زيبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مقالاً تم نشره في صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر 2002م بعنوان (مواجهة التظلمات ضد أمريكا) يقول فيه: «ما تفتقده معظم المناظرات العامة هو نقاش الحقيقة البسيطة بأن وراء كل عمل إرهابي تكمن سابقة أو خلفية سياسية، الحقيقة هي أنّ كل نشاط إرهابي تقريباً منشأه نزاع سياسي، وهو أيضاً سبب استمرار هذا النشاط الإرهابي. إنّ للتاريخ السياسي للشرق الأوسط علاقة بكره «إرهابيي» هذه المنطقة لأمريكا. إذا كانت لا توجد أعذار لاعتداءات 11 سبتمبر، فهناك أسباب لها تكمن في السياسة الخارجية الأمريكية». إذا كانت أحداث 11 سبتمبر وكل التفجيرات التي تلتها إلى تفجيرات بوسطن الأخيرة والتي تمت جزافاً باسم الإسلام، قد أدت إلى تقوية وتدعيم تيار العداء للإسلام في أوساط السياسيين والمثقفين الأمريكيين، فإنّ ركون العالم العربي إلى نظرية المؤامرة والتي ساهمت في تصدير هذا العنف إلى أمريكا والغرب جعل الإعلام العربي مغلول اليد واللسان من مواجهة التحديات والاتهامات وتبرئة ساحته.