لا يحتاج المنتحر ليتوقف عن مشروع انتحاره سوى إلى من يستمع لشكواه. كان ذلك واضحاً وجلياً في حالة المواطن الأردني أحمد المطارنة الذي انتحر أمام مدخل الديوان الملكي الأردني بإحراق نفسه، وذلك بسبب ظروفه المعيشية بالغة السوء. وحاول المطارنة الانتحار قبلها مرتين، واحدة أمام أمانة عمان حيث كان يعمل ثم أحيل على الاستيداع عندما حاول إحراق نفسه، والثانية كانت أيضاً أمام الديوان الملكي عندما حاول ابتلاع مادة سامة. وكانت الثالثة القاضية بوفاته عندما أحرق نفسه أمس الأول ، لتصبح قضيته الشغل الشاغل للرأي العام الأردني، حيث شهد الأردن عدة حالات للانتحار حرقاً منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية ومنذ حادثة التونسي «بوعزيزي» ، إلا أنها الحالة الأولى التي يتوفى فيها صاحب المحاولة. وقامت «الشرق» بزيارة منزل المطارنة في أحد أحياء عمان الفقيرة، ولكن ذويه رفضوا السماح بالتصوير لأي صحفي، بسبب الفاجعة، وبسبب الشعور بالحرج. أحد أبناء المطارنة قال لنا «نرجوكم، يكفينا ما نحن فيه، لا نريد صحافة، وسندفنه بهدوء». ويعيش في المنزل عائلة المطارنة المكونة منه ومن زوجته و تسع بنات و أربعة أولاد، بعضهم يدرس في الجامعة، حيث لم يعد قادراً على الإنفاق على دراستهم ولا على معيشتهم.ويروي ابن شقيق المرحوم نبيل المطارنة ل «الشرق» كيف أن عمه البالغ من العمر خمسين عاماً حاول اللجوء إلى الديوان الملكي للحصول على معونة عدة مرات، ولكنه لم يتمكن من مقابلة المسؤولين، مشدداً على أن عمه أحيل على الاستيداع من أمانة عمان بسبب رفضه الانخراط في نشاطات فساد حيث كان مأمور مستودع. ويضيف نبيل أن عمه وصل إلى حالة من العوز غير محتملة، فيما لم يحاول أي مسؤول أو أية جهة متابعة قضيته حتى عندما كان يرقد في المستشفى قبل أن يتوفى. وكان المطارنة موظفاً في أمانة عمان قبل إحالته على الاستيداع قبل أكثر من عام، حيث كان مكتفياً بدخله قبلها، إلا أن راتبه أصبح بعد الاستيداع 110 دنانير شهرياً في حين تقدر الحكومة خط الفقر المطلق في الأردن ب (323) ديناراً شهرياً. ويوم انتحاره كان التيار الكهربائي قد قطع عن منزله بسبب عدم قدرته على تسديد الفواتير.انتشرت قصة المطارنة في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، واصفة إياه بأنه «بو عزيزي الأردن»، حيث أنشئت مجموعة على الفيسبوك حملت اسم «كلنا أحمد المطارنة»، فيما تداعى أقاربه في محافظة الكرك لعقد لقاء عاجل للتدارس في المسألة، بينما توجه نشطاء شباب لتنفيذ اعتصام أمام الديوان الملكي في نفس المكان الذي أحرق فيه المطارنة نفسه. وقال أحد النشطاء «نحن نشعر بمرارة شديدة، فما تعرض له أحمد المطارنة قد يتعرض له أي شخص فينا في غياب الأمان الوظيفي والمعيشي».