كانت الناس تلجأ لما تم الاصطلاح عليه في علم الاجتماع ب »المجتمع المحلي» الذي يأخذ طابعاً غير رسمي، وهو مجتمع يتشكل من روابط القرابة، أو الجيرة، وأفراد المجتمع، يتفاعلون فيه وفق الروابط المشتركة بينهم. وتلجأ إليه الناس للتخفف من أعباء الأعمال اليومية وقيود العمل الرسمي، مثل الأندية الشعبية، والاستراحات العامة، والديوانية أو المجالس الخاصة، وخصوصاً في المجتمعات الصناعية، وقد تراجعت هذه المجتمعات رغم أهميتها في تشكيل الفعل الاجتماعي، وتلاشت هذه المجتمعات من حيث الفاعلية بفعل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. مواقع التواصل الاجتماعي مجتمعات بديلة أخذت الطابع غير الرسمي وشكلت «المكان الثالث»؛ ليشكل البديل الحقيقي والمتفوق على المجتمعات المحلية ليس بفعل الحرية والتحرر من القيود والجو غير الرسمي فقط، ولكن هذه المجتمعات الافتراضية وفرت جوانب نفسية واجتماعية تجعلها من أفضل الأمكنة جاذبية للناس. لقد توفرت هذه المحاضن على عوامل نفسية تسهم بشكل كبير في جذب الأفراد، وهي عوامل (التقدير، وإثبات الذات، وعامل الثقة) التي تعد من أهم عوامل بناء رأس المال البشري. إن التقدير والمكانة عنصران نفسيان مهمان في جذب الناس للمجتمعات، سواء كانت تجمعات فاعلة بناءة أو سلبية، مثل مجتمع المدمنين مثلاً، فالمدمن يجد نفسه بين جماعة مدمنين تعطيه الاحترام والتقدير، ويجد نفسه بين أفراد مجتمع تختفي بينهم الفروق. لقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي عامل التقدير، وغابت الفروق وأصبح الكل مشاركاً ومنتجاً للمعلومة حتى وإن كان مجرد ناقل لها، وهذا ما لا توفره المجتمعات الواقعية، لقد وجد الإنسان البسيط نفسه فاعلاً ومنتجاً ومستهلكاً للمعرفة لا يختلف عن نخبة المجتمع، وأصبحت النخبة تسترضي العامة من أجل الدعم وتكوين رأس المال البشري، لقد جددت الثقة في النفس لدى كثيرين، وأصبحت المعرفة هي السلعة والمصالح المشتركة، واكتسب الجميع الفاعلية وأصبح عضواً نشطاً وغير هامشي في مجتمع كبير. إن عامل التقدير وإثبات الذات سر من أسرار الرضا والسعادة ومفتاح رئيس للشخصية، وحاجة إنسانية ملحة غيَّبتها المجتمعات البشرية، ووفرتها المجتمعات الافتراضية، وهذا سر من أسرار جاذبية مواقع التواصل الاجتماعي. الحاجة للتغريد – الحاجة للتقدير، الحاجة لأن يبحث لصوته عن موضع قدم! أنا أغرد أنا موجود!