يكثر الحديث عن الحرية ، ومزاعم الإيمان بها والدعوة إليها والدفاع عنها ، ويكثر أكثر منها ضوابطها وحدودها ، حتى باتت لدى البعض ضوابطها أكبر من حجمها ، وتضيق بها الحدود حتى تكاد تصبح بلا مساحة. يجب الإقرار بأن الإيمان الحقيقي والصادق بالحرية يقود إلى مأزق أيضاً في بعض المجتمعات لأنه سوف يواجه جملة واسعة من المواقف الدينية والإجتماعية السائدة التي يرى جانب من المجتمع أن منع أو فرض قيم متعلقة بها على الآخرين أمر لازم. لذا بعض من يتحدث عن الحرية ويدافع عنها عندما تبدأ مناقشة معه حولها يبدأ في الوقت ذاته مجموعة القيود والحدود والضوابط لتجد في محصلة الأمر أن حدود الحرية لديه تقف تماماً عند حدود قناعاته ، وهكذا حدود الحرية المقيدة والمنضبطة لدى الآخرين تقف تماماً عند حدود قناعات وقيم كل واحد منهم على حدة. فهولاء كل منهم يؤمن بالحرية من منظوره الشخصي ، ولكنه لا يؤمن بحرية الآخر عندما تتجاوز الحدود التي يرى أنه يجب الوقوف عندها ، حتى ولو لم تتقاطع مع حريته أو تعتدي عليها بل حتى لو تدافع عنها ، فكل لديه حدود وضوابط وقيود للحرية يرى أنها هي الصواب التي ينبغي للآخرين الإلتزام بها. فالذي يردد أنه مؤمن بالحرية من الضروري أن يدرك جيداً أن الحدود والضوابط ينبغي أن تتعلق بشخصه فقط ، فإن سعى لوضع أية ضوابط أو حدود للمجتمع أو بعض أفراده فهو ضد الحرية وليس معها. ومع هذا هل يمكن لحرية أن تكون بلا ضوابط ، ضابط الدين و ضوابط المجتمع وقيمه السائدة ؟ قطعاً لا ، ولكن منذ بدء تلك الضوابط رغم حتميتها وحتى لا تصبح الحرية مشكلة ، فأنه معها قد تبدأ مخاطر خنق الحرية بالتمادي في تلك الضوابط مسايرة لرؤى ضيقة ، أو أفكار دينية لا تنتمي لنصوص الدين .