في العدد الجديد من مجلة «فورين بولسي» الأمريكية دراسة مهمة تحذر من تراجع نجم الولاياتالمتحدة على الصعيد الدولى، لأن ذلك معناه أن بعض البلدان في الشرق الأوسط الكبير، ستكون أكثر عرضة لتأثير عدد من القوى الإقليمية الكبرى. وأشارت إلى أن صعود الهند والصين واتجاه روسيا بشكل متزايد نحو التفكير الاستعماري مع سير الشرق الأوسط نحو مزيد من عدم الاستقرار، فإن احتمالات الصراع الإقليمى فى غياب أمريكا الناشطة دوليا بات حقيقيا، لذا لابد من الاستعداد لحقيقة عالمية تنطلق من قاعدة أن «البقاء للأقوى». وبعبارة أخري فإن تراجع الدور الأمريكى دولياً قد يؤدى إلى مجموعة من التحولات الجيو سياسية التى تقوض الاستقرار السياسى بمنطقة الشرق الأوسط قاطبة، إذ أن جميع بلدان المنطقة لاتزال عرضة لدرجات متفاوتة من الضغوط الشعبية الداخلية والاضطرابات الاجتماعية والأصولية الدينية مثلما حدث فى مطلع 2011، ومن المتوقع استمراره في العام 2012. الرد الرسمي الأمريكي علي هذا السيناريو النظري، جاء عمليا وربما أسرع من المتوقع، إذ أعلن المتحدث باسم البنتاغون «الكوماندر بيل سبيكس»: أن الولاياتالمتحدة لن تتخلي عن نشر سفنها الحربية فى الخليج العربي، وفقا لتعهداتها في مجال ضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وذلك بعدما هددت إيران رسميا علي لسان الجنرال «عطاء الله صالحي»، بالتحرك العسكري إذا نقلت البحرية الأمريكية حاملة طائرات إلى الخليج عبر مضيق هرمز. روسيا المتأهبة دوما لتفنيد كل ما يصدر (رسميا وإعلاميا) عن عدوتها اللدود، ردت على هذه الدراسة بمقال لاذع للمحلل السياسي «يفغيني ساتانوفسكي» نشر في مجلة «روسكي ريبورتيور»، حيث طرح رؤية موغلة في التشاؤم لمستقبل المنطقة. ساتانوفسكي يري أن المتغيرات التي نشهدها سوف تطيح بأنظمة أخري ظلت تحكم على مدى ستة عقود. وأن هذه الاضطرابات سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة، وسوف تودي بحياة الملايين من البشر. ففي ظل الفوضى غير الخلاقة، التي أوجدها الغرب في إطار سعيه لإعادة تقسيم العالم العربي، من المؤكد أن حروبا طاحنة سوف تنشب، تتخللُها حركات نزوح وهجرة واسعةٍ، وجرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية، تكون الأقليات المسيحية من أبرز ضحاياها، خاصة أن بلدانَ تلك المنطقة أصبحت خالية من اليهود. على عكس توقعات معظم المحللين السياسيين، يؤكد ساتانوفسكي: أن الغرب، والولاياتالمتحدة تحديدا توصلت إلى قناعة بأن تَوجيه ضربةٍ لإيران، سوف يكلفها ثمنا باهظا، وأن هناك مؤشراتٍ توحي بأن الرئيس الأمريكي أوباما، بدأ يتقبل فكرة حيازة طهران للسلاح نووي، لدرجة أنه لم يعد يُعر اهتماما لتهديدات المملكة العربية السعودية، بأنها سوف تمتلك القنبلة النووية فور حصول إيران عليها. أما البلدان التي شهدت الربيع العربي فستتحول إلى الأسوأ، وعلى سبيل المثال، ستصبح ليبيا مسرحا لحرب أهلية، وتصفية حسابات بين القبائل. ولن يكون الوضع في تونس مستقراً، لأن الإسلاميين الذين فازوا لتوهم في الانتخابات، استهدفوا العلمانيين والمرأة والتعددية الثقافية والسياسية التي ترسخت منذ عقود طويلة، كما بدأوا يطلقون شعارات غوغائية من قبيل: «إلى الأمام للدفاع عن الشعب الفلسطيني». أما الوضع في مصر فهو «كارثي» بكل المقاييس، ومن المستبعد أن يتحسن في المستقبل المنظور. لأن الإسلاميين حصدوا أكثر من سبعين بالمائة من الأصوات. علما بأن ثلث تلك الأصوات من نصيب السلفيين الراديكاليين. ولا يشذ الوضع في سوريا عن ذلك، فالأمر ميئوس منه في كل الأحوال. ومن المؤكد أن الدماء التي ستسيل في سوريا حتي إزاحة نظام الأسد، ستكون أكثر من تلك التي سالت في العراق. في قلب هذه الصورة المأساوية يجب أن نقرأ توجهات السياسة الإسرائيلية، حسب ساتانوفسكي، التي بدأت تتخذ مواقع دفاعية وتعد العدة للحرب على جبهات عديدة، إن لم تكن «كل الجبهات» في وقت واحد بما في ذلك: المصرية والتركية والمملكة العربية السعودية. أي أن المنطقة قد تدور في دوامة سياسية تدفع بها تدريجيا إلى القاع. وهذه الحالة لن تنتهي قريبا، بل إنها قد تمتد لثلاثة أجيال على الأقل. وباختصار شديد، فإن ما ينتظر منطقة الشرق الأوسط الكبير من ويلات وحروب ونزوح وتطهير عرقي، يعيد التذكير بالسيناريوهات الثلاثة التي طرحت في عهد الرئيس الأمريكي «بوش الابن»، تمشيا مع مصطلح «الفوضي الخلاقة» الذي صكته وزيرة الخارجية السابقة «كوندوليزا رايس»، وهي: تغيير الجغرافيا بالتقسيم أو تعديل الحدود، وإما بتغيير البشر بالانصهار القسري أو الإبادة أو الهجرة، وإما تغيير المؤسسات بجعلها أكثر ديمقراطية اعتمادا على فكرة المواطنة... فماذا نحن فاعلون؟