الأخ صالح الحمادي – الكاتب المميز في هذه الصحيفة – كتب أكثر من مرة عن نجران وأهلها، وذَكر المكان والإنسان بكل خير بناءً على قناعات خاصة يبدو أنَّهَا تشكَّلَت عطفاً على نباهته في مواجهة التساؤلات الضبابية التي تحركها رياح القفز على الواقع والوقائع إلى جانب ما يملك من المعرفة وسعة الخبرة المرافقة لنقاوة النشأة وسلامة الفكر. عموماً، وفي حدود الرأي الشخصي، (صالح) لا يعتمد على المجازفة فيما يكتب وهو مُوفَّقٌ إلى حد بعيد في زيارة الحقائق ومسامرتها، وفي كسب الأنصار له نصيب الأسد، ومني لجنابه خالص التهنئة. في قلب الحقيقة آخرون كرام من أبناء وبنات هذا الوطن كتبوا عن ثلاثية الأوصاف نجران، عن الأرض الطيبة، وتاريخها المجيد، وسيرة أهلها العطرة، كتبوا بأحرف موزونة بصوت الحق والمحبة الصادقة الجاذبة للتقارب والتفاهم المشترك، وهذا يُحسَبُ لهم جميعاً؛ فدور المثقف دور خير، هكذا يجب، ولن أجانبَ الصواب إذا قلتُ إنَّ معظم الكتاب السعوديِّين ينطلقون من بوابة الإنسانية مجاهدين في سبيل عزة الوطن وتقارب أهله سعياً لتحقيق الوئام والتلاحم بصدق نية دون تحيز لمكان على حساب الآخر، ولهذا حظوا بتقدير بالغ ونالوا حق الاعتراف بوجودهم المميز على خارطة الوطن، وتكوَّنَت لهم مع مرور الأيام مرابع من الاحترام والقبول في كل مكان وعند كل قوم، ولو كان المُقامُ يتَّسعُ لرصد طلائعهم المباركة لخصصتُهم بالذكر؛ لهذا ألتمس العذر، وهم أهلٌ لتجاوز أنانية المساحة، وأسال الله أن يمدَّهم جميعاً (رجالاً ونساء) بتوفيقه وعونه، وسلام الله عليهم ورحمته وبركاته كل حين. وبعد، أخي الوفي صالح، كما تعلم لا يوجد مدينة فاضلة، وهذه حقيقة تستحق التسليم بها والتوقف أمامها. وفي السياق لن أتحدَّثَ على هامش مقالك الأغر، عن نجران بصفتها معقلاً من معاقل البطولات الفذة المعتبرة بثقل الأحداث وجسامة تفاصيلها في محطات التاريخ، ولن أُضيفً شيئاً للواقع ولا لعمق الحضارة إذا قلت إنها أرض بليغ العرب قس بن ساعدة الإيادي ومقر أحفاده الكرام الحلام، الحديث عن نجران وأهلها يا عزيز الجناب يطول، ويطول أكثر حينما يتجه لمناقب أهلها ووفائهم وترفعهم عن صغائر الأمور التي أصبحت تقلق الغير وتشغله، ويمتد إلى مالا نهاية كلما اتجه لطبيعة روابط الصلات المجتمعية والرسمية ومعناها، تلك الصلات النقية الطاهرة المؤمنة ضد تقلبات الدهر ومفاجآته بقوة الإيمان وسماحة الإسلام وشِيَم العرب وفروسيتهم المُتوَّجَة بالوفاء. أخي صالح، ما أودُّ مصارحتك به وقد أوجب الامتنانُ مجاراةَ مقالك هو أنَّ المنطقةَ أرضٌ وناسٌ عاتبةٌ كل العتب على كل مَن عاش فيها ونال شرف جيرة أهلها الموصوفين بالشرف وحسن الضيافة الجزلة حتى من المُقِلِّ، ونَعِمَ بخيرات أرضها دون مِنَّة، ورحل منها بحسن الوداع وقوافل الخير تسبقه وتتبعه، ثم جحد وتنكَّر وشرع في تعبئة ذهنيات العامة بالصورة المعكوسة المجافية لكل صحيح عمل وقول، وعاتبة بذات القدر على المندسِّ الهمَّاز، وهم بالمناسبة قلة يعرفون أنفسَهم ويعرفون أبناء نجران غاياتهم. أخي صالح، مازالت الأصوات التي ليس لديها من المقومات الذاتية والتاريخية ما تحرسه تنعق بالباطل وتلعق العراقيب، والله أعلم متى يُكفون. وفي الختام، أتشرف بإهدائك قولاً يسمو على كل قول، قولاً ترتعش حروف كلماته مثل الذهب في سماء المجد. يقول، خادم الحرمين الشريفين، أدام الله وجوده (كم يسعدُني أن أكون في نجران الحبيبة، وكم يسعدني في هذه المناسبة أن أستذكر العهد التاريخي بين جلالة الملك المُوحِّد عبدالعزيز رحمه الله وبين الأبطال من أجدادكم وآبائكم، ولقد وفَّى الملك المُوحِّد بعهده كما وفَّيتُم أنتم، فمنذ ذلك الحين ومواطنو نجران درع حصينة للدولة وجنود شجعان من جنودها، ومنذ ذلك الحين والدولة تعتز بنجران ومواطنيها وفرسانها. أيها الإخوة الكرام، أودُّ أن أُكرِّرَ ما قلتُه مراراً، وهو أنَّ دولتكم لا تفرِّق بين منطقة ومنطقة، أو بين مواطن ومواطن، وتعتبر كلَّ مواطن سعودي ابناً صالحاً من أبنائها حتى يثبتَ العكس، لا سمح الله. إنَّ الذين حاولوا الدسَّ بين الدولة وأبنائها في الماضي فشلوا فشلاً ذريعاً، وسوف يكون الفشل حليفَ كلِّ مَن يحاول الدسَّ في المستقبل إن شاء الله). الإمضاء، عبدالله بن عبدالعزيز. ودمتم.