في عام 1982م مع صدور ديوانه الأول (عاشقة الزمن الوردي) ظهر محمد الثبيتي وسط حراك ثقافي ذاخر، متقدما الشعراء المعاصرين في تلك الفترة في تجربة حداثية مثيرة، ولاح في السماء نجم ساطع، بدا مختلفا بلغته وصوره الشعرية، المتفردة بفلسفة خاصة، إذ استحدث -في ثورة على الشعر التقليدي- مفهوما جديدا للقصيدة، كاد يكون بأسلوبه وحيد مثاله في الشعر السعودي، متمردا على الشعر، ومتخففا من قيوده، في طقوس مختلفة.. ارتقى فيها بشعره، وتألق بتجربة شعرية لافتة ومثيرة. تجربة الشاعر الثبيتي، الذي توفي عام2011م، إثر أزمة قلبية بعد مرض دام أكثر من عامين، وصفها النقاد، بأنها تجربة تَشَكل وعيها بالأسطورة والمكان والصحراء. كان الثبيتي شاعرا مثقفا كتب بلغة حديثة، منطلقا من عوالم ثقافته الشعبية والأسطورة التاريخية، أو التي يبتكرها في ثنايا فلسفة شعرية متميزة: جئت عرافا لهذا الرملِ أستقصي احتمالات السواد جئت أبتاع أساطير ووقتا ورماد بقي الثبيتي مُؤثرا في جيله، ورمزا لأجيال جاءت بعده من الشعراء الذين لم تختف بصمته على قصائدهم، وساروا على خطاه، متمثلين برمزية فلسفته. يُعد محمد الثبيتي من أبرز الشعراء الحداثيين المعاصرين، كما كان صانعا لطفرة إبداعية متميزة في الثمانينيات. حيث برز -رحمه الله- في صياغة القصيدة النثرية على تفعيلية أوزان الخليل، وتميز بقاموسه الشعري ومفرداته التي كان ينحتها نحت المتفرد. حين اتهم بتنكره للأصالة، وانسلاخه من التراث، وانفصاله عنه، قال إن ما يربطه بالتراث هو ذلك الذي يربط البدوي بالصحراء، والشجرة التي تغرس جذورها متشبثة بالأرض. حين انبرت أقلام منتقديه الذين نبذوا مفرداته، وصوره الشعرية الرمزية، وعارضوا أسلوبه المتمرد على نمطية القصيدة التقليدية، رد الثبيتي على منتقديه يومها، بأنه قرأ التراث كما لم يقرأوه هم. لم تكن حداثته ظاهرية، لكنه استمدها من جذور التراث، ومضى مستمرا في ترسيخ تجربته الجديدة، بلغة جزلة قادرة على إثارة الدهشة والانبهار. في مقالة علي الرباعي عن استيعاب الثبيتي للتراث وتحديثه له، قال إن صورالشعر المحتفظة بجماليتها وحداثتها، المتكئة على الموروث الغائر في مناجم بعيدة لا يبلغ مداها إلا شاعر كالثبيتي له أجنحة جامحة به نحو التحليق باتجاه الحلم، ومانحة قدرة على التمرد ليصطف المتعبون حول جمر غضا هذا البدوي المعتق في وجع القِرى الفائق من فقر المدن مطالبين بمزيد من مهج الصبح والشاذلية والقهوة المرة المستطابة.. (أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا ثم هات الربابة..هات الربابة) في عام 2011م مُنحت جائزة الأستاذ العواد الإبداعية لأول مرة كبادرة من الأستاذ أحمد باديب تبناها نادي جدة الأدبي، للشاعرالأستاذ عبدالله الزيد أحد الشعراء الحداثيين، حينها لم يغب عن الذهن أن تكون هناك جائزة وفاء منحت للشاعر الثبيتي، بلفتة من الدكتورعبدالمحسن القحطاني رئيس النادي أنذاك، وبأريحية الداعم الأستاذ باديب. كثيرون، حسب قول المقالح، الذين يركضون في هذا العصر وراء سراب يسمونه الشعر، والقليل منهم من يأتيهم الشعر كأصفى ما يكون، ومن بين هؤلاء (محمد الثبيتي)..