الشعر في الحياة كالذهب في الأرض، قليل ونادر. هذا ما يقوله الدكتور عبدالعزيز المقالح، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان كل من نظموا الشعر شعراء. وكثيرون الذين يركضون في هذا العصر وراء سراب يسمونه الشعر، والقليل من هؤلاء مَنْ يأتيهم الشعر كأصفى ما يكون، ومن هؤلاء محمد الثبيتي. على إيقاعات زمن العشق، وفي صحبة عاشقة الزمن الوردي بدأ رحلته الشعرية، وعلى أهازيج تغريبة القوافل والمطر.. يرحل في هدوء سيد البيد وقد أنهكته التضاريس.. وأحلام الشعر وجنونه.. أقبلوا كالعصافير يشتعلون غناء.. فحدقت في داخلي.. كيف أقرأ هذي الوجوه وفي لغتي حجر جاهلي.. بين نارين أفرغت كأسي.. ناشدت قلبي أن يستريح يعد محمد الثبيتي أحد أبرز الشعراء الحداثيين السعوديين المعاصرين، ومن أهم الشعراء العرب الذين صاغوا القصيدة النثرية على إيقاعاتها التفعيلية، ومن أكثرهم شهرة، يتميز قاموسه الشعري بمفردات وألفاظ، كان ينحتها نحت المتفرد، وهو مأخوذ بتيارات التحديث والاختلاف. حين شارك لأول مرة في نادي جدة الأدبي في أمسية شعرية عام 1405ه شاركه بقراءاتهم الشعرية المتميزة شعراء، تألقوا بقربه عبدالله الصيخان، محمد جبر الحربي وأحمد عائل فقيهي، وانطلق يقرأ بصوته الجهوري المؤثر.. "جئت عرافا لهذا الرمل أستقصي احتمالات السواد/ جئت أبتاع أساطيرا ووقتا/ وبين السبت قس ومدينة خدر ينساب من ثدي السفينة/ هذه أولى القراءات وهنا ورق التين يبوح قل: هو الرعد يعري الموت" في تلك الليلة سهر مثقفو وأدباء جدة منتشون بتضاريسه، يتغنون في عشق تراتيله الشعرية، يتجاذبون الأحاديث حتى الصباح يقرأ كل منهم معانيه وألفاظه الشعرية، مأخوذون بتغريبة القوافل والمطر. وكان نصيب الثبيتي من النقد والمعارضة، ما حقق له الانتشار، وحين فاز في نادي جدة الأدبي بجائزة الإبداع عن ديوانه المتميز التضاريس، حرم منها لصعوبة الفترة التي منح فيها الجائزة، واحتقان المشهد الثقافي بتجاذبات وصراعات بين الحداثة والأصالة، وفي عام 1430ه كرمه وزير الثقافة والإعلام ضمن عدد من الأدباء والشعراء في مؤتمر الأدباء الثالث في الرياض، بما يليق بمشواره وإبداعه الشعري. رحم الله محمد الثبيتي، فقد كان شاعرا تركنا اليوم نسهر في قراءة أحلامه وتضاريسه السهلة الوعرة.