لا يكاد يمر يوم لا نرى فيه بصحافتنا المحلية مقالاً أو انتقاداً للمساهمات العقارية المتعثرة، فكثير هم من كتبوا قبلي وكثير هم من سيكتبون بعدي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو «هل تُقرأ تلك الكتابات؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فمن يقرأها؟ مما لاشك فيه أن المهتم بقراءة تلك الكتابات لا يخرج عن أحد أربعة، إما أن يكون مستثمراً بإحدى المساهمات المتعثرة فيبحث عن كل ما يكتب حولها مواساة لنفسه بأنه ليس الضحية الوحيدة ولعل وعسى أن يجد فيها مخرجاً مما ابتلي به. أما القارئ الثاني فربما يكون مطور المشروع أو مالك المساهمة وهذا يقرأ لمعرفة رأي المستثمرين فيه وفي مساهمته وكذلك كيفية تفكيرهم وما يرغبون القيام به وبالتالي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم وصول الضرر إليه أيا كان نوعه. القارئ الثالث ربما يكون أحد المسئولين بأجهزة الدولة المعنية بتنظيم وإدارة تلك المساهمات، وهذا يقرأ ولسان حاله يقول لماذا لا يتعلم الناس الصبر فلم يمض على تلك المساهمة سوى أربع سنوات فقط؟! وهناك العديد من المساهمات قبلها لم يتم البت فيها بعد، وقد يكون محقاً إذا علمنا بأن هناك مساهمات متعثرة منذ أكثر من أربعين عاماً! أما القارئ الرابع والأخير فهو أي قارئ للموضوع ليس من ضمن الثلاثة المذكورين وليس له علاقة لا بالمساهمات ولا بأهلها وإنما يقرأ من أجل الاطلاع ومعرفة ما يدور اقتصادياً من حوله، وليأخذ الدروس والعبر ويتجنب أن يكون الطعم المستقبلي. بعد تلك المقدمة نطرح التساؤل التالي: من المسؤول عن تلك المشكلة؟ وهنا سنجد تبايناً كبيراً بين الآراء، فالمستثمرون يحملون المسؤولية بالكامل على أصحاب المساهمة، وأصحاب المساهمة يحملونها الأجهزة الرسمية البطيئة في اتخاذ القرارات، والأجهزة الرسمية تحمل المسؤولية تارة على المطور لعدم إتباعه التعليمات والأنظمة المتعلقة بالمساهمات العقارية وتارة على المستثمرين لدخولهم في مساهمات غير معتمدة رسميا، ونبقى في هذه الدوامة سنين وسنين. ولكي نكون منصفين لابد من التفريق بين المساهمات الوهمية التي تهدف إلى سلب أموال المواطنين بالحيلة، والمساهمات الفعلية والمتعثرة لسبب أو لآخر. في الأولى قد نلوم المستثمر لانجرافه وراء كل «استثمار» دون دراسة أو تثبت، رغم أن الجزء الأكبر يمكن تحميله لوسائل الإعلام التي تساعد أولئك المحتالين لاصطياد أكبر عدد من الناس. أما في المساهمات الفعلية فلا يلام من يبحث عن قطعة أرض يسكن فيها أو لديه مبلغ فائض يرغب في استثماره خصوصاً عندما يكون المطور ممن قد نجح في تطوير مشاريع سابقة. وقد يتعثر المشروع الجديد لأسباب أحيانا تكون منطقية ومعروفة كوفاة المالك مثلاً وغالباً ما تكون أسباب مجهولة. وتشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من (331) مساهمة متعثرة بمختلف مناطق المملكة منها (44) مساهمة مرخصة و(287) مساهمة غير مرخصة تقدر قيمتها الاجمالية بمليارات الريالات. وقد استطاعت لجنة المساهمات العقارية المشكلة بالقرار الوزاري رقم (130) وتاريخ 07/05/1429ه حل ما يقارب (91) مساهمة متعثرة وجارالعمل حثيثاً على حل باقي المساهمات ، إلا أن اللجنة لا تقوم بالنظر في أي مساهمة قامت بعد تاريخ 22/ 8/ 1426ه وهو تاريخ إصدار الضوابط المتعلقة بطرح المساهمات العقارية من قبل مجلس الوزراء حيث يتم الرجوع في هذه الحالة الى الجهات القضائية، ويقدر عدد المساهمات المتعثرة الخارجة عن صلاحيات اللجنة بحوالي (38) مساهمة. إن أسباب تعثر المساهمات العقارية عديدة، وقد يكون سبب التعثر خارجاً عن إرادة المؤسسين وهو أمر مقبول ولكن ما هو غير مقبول أن يعلم المؤسسون أن هناك مشكلة ما ولكن لا يتم إثارتها عند طرح المساهمة للاكتتاب العام، بل يتم تسويقها بشكل مكثف في الإعلام المرئي والمقروء، كما يتم بين الحين والآخر الإعلان عن نسب الإنجاز بالمساهمة لترغيب من لم يساهموا ورفع القيمة السوقية للسهم، بل ويعلن في بعض الحالات عن طرح المخطط بالمزاد العلني ويباع ثم يتضح أن هناك مشكلة ما تعيق الإفراغ للمساهمين وقد يبقى الأمر معلقاً سنوات عديدة متجاهلين مبدأ «إضاعة الفرص الاستثمارية البديلة» والذي يعني أن للوقت قيمة في عالم الاستثمار وان ما دفع قبل عام يجب ألا يعاد كما كان. وأخيراً أقول صحيح أن الضوابط المتعلقة بطرح المساهمات العقارية الجديدة كامتلاك أرض المساهمة بصك شرعي باسم المتقدم والموافقة على التخطيط من قبل الأمانة وموافقة وزارة التجارة والصناعة إضافة إلى دراسة جدوى من مكتب استشاري معتمد وغيرها قد حدت كثيراً من تعثر المساهمات ولكن يبقى السؤال هنا بأن تلك الضوابط ستحمي المستثمرين الجدد ولكن ماذا عن المستثمرين القدامى؟ إنني أتوجه من خلال هذا المقال بأربع كلمات: الأولى لكل مساهم بمخطط متعثر ، والثانية لكل مطور لمساهمة متعثرة، والثالثة للجان العقارية بالغرف التجارية والأخيرة لأصحاب القرار في الإدارات الحكومية ذات العلاقة. فأقول للمساهم أعمل بمبدأ (ما ضاع حق وراءه مطالب)، وأقول للمطور اتق الله فيما ائتمنك عليه وأعط كل ذي حق حقه إذا كان الحل بيدك، وأقول للجان العقارية عليكم بذل المزيد من الجهد باعتباركم حلقة الوصل والجهة المحايدة بين المستثمرين والمطورين والأجهزة الحكومية وأخيرا أقول لأصحاب القرار لا تؤجلوا عمل اليوم إلى الغد لأننا جميعا ندرك أن كل يوم بل كل ساعة تمر دون حل ليس إضرارا فقط بآلاف المستثمرين وإنما هو تعطيل لثروات طائلة وتأخير للنهضة العمرانية والاقتصادية بالمملكة.