العيون منذ ربع قرن تعتاد على العيون المتورمة لتيسير علوني وهو ينقل أخبار الموت من أفغانستان، وعيون جيفارا البديري، وعيون وحلوق مبحوحة مُجهَدَة تحدِّثُ المشاهدين عن الموت في طرقات أفغانستان والعراق والجزائر، والآن ركام سوريا، وعيون المشاهدين تنظر إلى الجثث حول المراسلين، والتعوُّد يجعلُ الجثثَ مجرَّدَ جزء من الركام. ركام الحيطان، وركام أثاث البيوت، وركام الشعور بالعجز، وإحصائيات مارس من سوريا تقول إن ستة آلافٍ قُتلوا هناك في أربعة أسابيع، والإحصائيات القادمة سوف تنقل أرقاماً طويلة عن تجارة الأطفال الأيتام الذين تتخطَّاهم الأقدام المُسرِعَة الآن في حُمَّى الهروب والذهول، وإحصائيات كوفي عنان عام 1996 تقول إنَّ القتلي في صراعات إفريقية (صراعات سبعة وأربعين دولة) تتجاوز ما قُتل في كل حروب العالم، وصراعات آسيا قتلاها لا يحصيهم أحد، وأخبار العالم أمس، وفي نفس اليوم، الشاشات تغمر المشاهدين للحديث عن الحرج الذي يغوص فيه الناطق الرسمي للبيت الأبيض حين يفشل أوباما في تسجيل هدف في كرة سلة أمس وهو يلعب مع عدد من الأطفال، ومثلها جون كيري يبرق الرئيس المصري مرسي معبراً عن قلق واشنطن على حريَّة التعبير بمناسبة اعتقال مذيع تلفزيوني مُتَّهَم بالإساءة للإسلام وللرئيس المصري. المقاييس الجديدة في العالم تعمل، وما لا يعمل هو شعور الناس في العالم الثالث باللغة الجديدة هذه. والطب الهندي يكشف صلةً بين كل فقرة في أصابع يديك وبين كل جزء من جسمك، والطب هذا يقوم بالفعل بعلاج القلب بغرس دبُّوسٍ صغير في جزء من إبهام يدك، وعلاج ذاكرتك بغرس الدبُّوس في راحة يديك. والصلة بين حروب وأحداث كل جزء في العالم تشبه تماماً الصلة بين أصابع يديك وأجزاء جسمك. وتفشل كل جهة في التعامل مع حروبها مالم تنظر إلى اللغة الجديدة هذه، وإلى الطب الجديد هذا.