(الدقه الخامسه ) تسللت أنا و رفيقي آخر النهار من بين الأشجار الكثيفة ، كانت الشمس تميل إلى الغروب ، عائدان كنا بعدما نصبنا بعض الفخاخ هنا و هناك ، نغطي أجسامنا و نلف رؤوسنا بالأغصان و الأوراق الخضراء حتى لا يلحظنا الأوغاد ، منذ أيام خرجنا و ها نحن عائدان في اتجاه قريته القابعة بين الغابات ، أخذ يحدثني عما يفعله المجرمون من تمشيط لجميع القرى و القبض على جميع الشباب القادر على حمل السلاح و رميهم بالرصاص أمام ذويهم ، أخذت أحدثه عن صديقي ( جيفارا ) الذي أطوف العالم بحثا عنه ، حدثته عن حلمي أن أجده هنا بفيتنام ، حدثته عن أقواله التي سجلت على كل حائط أو جدار في هذا العالم : " إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذا العالم " " إذا لم تحترق أنت و أنا فمن ينير الطريق " عندها قال رفيقي : إذا كنت هنا لتبحث عن صديقك ، فأنصحك أن تعجل بالرحيل . و لماذا ؟ لأن صديقك لن يأت إلى هنا أبدا يا رفيقي . ( ابتسم ابتسامة سخرية ، عندها بادرته ) لا يا رفيقي ، أنت لا تعرفه جيدا ، فهو الذي قال : " أينما يوجد الظلم فذاك وطني " لن يأت . إنه أكثر أهل الأرض كرها لأمريكا ، لابد أنه سيأتي إلى هنا حتما لا محالة . ( نظر إلي نظرة استنكار ) لا يوجد مكان آخر في العالم أحق بالذهاب إليه أكثر من هنا . أقول لك ، لن يأت . ما أكثر المظلومين و الفقراء و الضعفاء و البؤساء ، هنا المواجهة الحقيقية ضد الرأسمالية التي يمقتها ، سيأتي لا محالة . لن يأت ، لن يأت ، لن يأت . و ما الذي دعاك لأن تقول هذا ؟؟؟؟ إنما يدعم و يقف بجانب من يتفقون معه في أفكاره و عقيدته و مبادئه فقط أيها الأبله . ( عندما اقتربنا من القرية توقف رفيقي فجأة ، أشار بإصبعه على فمه تنبيها ، عندها حبسنا أنفاسنا ، أخذنا نتحسس بأطراف أقدامنا الطريق بين الأعشاب و الصخور ، رفت ذبابة تقف على وجهي ، تبعتها أخرى ، فجأة زكمت أنوفنا رائحة عفنة ، صم آذاننا أزيز المزيد و المزيد من الذباب ، وجدناه يتزايد و يتجمع بين الأعشاب الطويلة ، أمسكت بأنفي بينما قفز رفيقي مسرعا يستبين الأمر ، و إذا بجثة طفلة عارية مصابة بطلق ناري بظهرها ، أدار رفيقي الجثة و إذا به يصرخ صرخة أخذت تتردد بين أرجاء الغابة ) وا أختاااااااااااااااااااه . ( حملها بين يديه يضمها لصدره ، رحلنا في اتجاه القرية ، و إذا بجثة أخرى ، مستحيل جثتان عن اليمين ، غير معقول ، و جثة أخرى بين الأعشاب هناك ، على مرمى البصر وجدنا بيوت القرية و قد تحولت إلى رماد ، مازالت بعض الأدخنة تتصاعد من بين المنازل المهدمة ، بعض الجثث تكومت فوق بعضها ، بعضها بلا رؤوس ، بعضها بلا أطراف ، الكثير من جثث الأطفال و النساء و الشيوخ ، حتى هؤلاء لم يرحمهم الأوغاد ، سمعنا صوت بكاء يأتي من إحدى الخنادق ، رفعنا الغطاء المصنوع من أفرع الأشجار ، وجدنا طفلة ترتعد خوفا ، عندما رأت رفيقي صعدت و ارتمت بين أحضانه ، سألها بلهفة ) ماذا حدث ؟؟؟؟ ( حاولت الفتاة لملمة الحروف التي تبعثرت من شدة هلعها ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيها) بعدما رحلتم ... جاء الأوغاد و ... و أخرجونا جميعا ، و ... و أحرقوا منازلنا حتى خرج أخي الذي كان مختبئا ، أمسكوا به ... قيدوه إلى الشجرة هناك و أقاموا مباراة فيما بينهم على ... على من يصيبه دون أن يقتله ، و لما لم يصبه الأول و ضحك رفاقه .... اقترب منه آخر و .... و أطلق عليه النار ، و لما أصابت قدمه ... ظلوا يضحكون و يضحكون بينما هو يتألم ، عندها اقترب منه الثالث و وضع ..... و وضع ماسورة بندقيته في رأسه و .... فجرها ، هربنا جميعا ، أخذنا نركض كالخراف هنا و هناك ، و لكنهم أخذوا يتبارون في إطلاق النار علينا و هم يضحكون . ( عندها لم أستطع السيطرة على نفسي ، أمسكت بكلتا يداي بقميصي الذي رسم عليه وجه جيفارا باللون الأحمر ، شققته إلى نصفين ، صرخت بكل ما أوتيت من قوة : جيفارا ، أين أنت ؟؟؟؟ لماذا لست هنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أيها الخائن ، هل يوجد بهذا العالم من هم أكثر تعاسة و شقاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ جيفارااااااااااااااا ، تبا لك و لكل من صدقك و صدق ما تدعيه أيها الكاذب الأفاااااااااااااق .