جيفارا مات. جيفارا مات.. “آخر خبر في الرديوهات”.. بمطلع أغنية مطرب اليسار المصري الشيخ إمام، يمكن أن نلخص الجزء الثاني من فيلم سيرة المناضل الأرجنتيني الأسطورة تشي أرنستو جيفارا (1929-1967). الفيلم الذي عرض أخيرا في دور العرض البحرينية بعد جولة طويلة بين مهرجانات السينما العالمية، يسرد يوميات القتال “الجيفاري” في بوليفيا 1967 من أجل إسقاط النظام البوليفي المتحالف مع أمريكا، وإقامة نظام بديل في العاصمة (لاباز) على غرار نظام كاسترو الذي أقيم في كوبا، بعيد إسقاط حكومة باتيستا في (هافانا) عام 1959. ويبدأ الفيلم بإعلان كاسترو أن جيفارا ترك كوبا، بعد أن كان وزيرا للاقتصاد، ليظهر (تشي) وهو في مطار بوليفيا بجواز مزور يدخل من خلاله هذا البلد بصفة تاجر من الأورجواي بعد أن غير ملامحه وحلق ذقنه، وقصة شعره الشهيرة، وهكذا يتحرك الشريط السينمائي للفيلم بحسب يوميات بوليفيا، من اليوم الأول إلى ال340، يوم القبض عليه حتى مقتله في اليوم ال341. ويكشف فيلم CHE الذي أخرجه حامل أوسكار أفضل إخراج عام 2001 الأمريكي ستيفن سودربرج، عن اختلاف تجربة حرب العصابات والنضال في كوبا عن بوليفيا، ويعقد مقارنة فنيّة بين الثورتين كاشفا عن مواطن الضعف في التجربة البوليفية. وبطريقة غير مباشرة، نفهم الدور الحاسم للدعاية الأمريكية “المكارثية” المناوئة لحركات التحرر في العالم من خلال التأثير في الرأي العام البوليفي الذي تسيطر عليه حالة الأمية والاعتماد المطلق على المذياع في تشكيل الآراء تجاه القضايا الكبرى عوض التثقف والقراءة الصحفية الواعية. في اليوم 113، يعرف الجيش البوليفي موقع معسكر (جيفارا) ويقصفه بسبب حدوث بعض الخيانات من صفوف مقاتلي (جيفارا) وتلقي الحكومة البوليفية الدعم السياسي والأمني من قبل وحدات من ال CI A التي يكشف الفيلم عن تواطئها. وفي اليوم 340 يتم تطويق مجموعة جيفارا ويقبض عليه مجروحا، وهنا يلتقي أحد عملاء الاستخبارات الأمريكية واسمه (فيلكس رديرجس) من كوبا، بجيفارا في معتقله، إلا أن (تشي) يرفض الحديث معه، قائلا: (أنا لا أتكلم مع الخونة!). في اليوم الذي يليه يتطوع مجند بوليفي بعد أن تأتي الأوامر العاليا من الCI A لقتل جيفارا، يدخل الحجرة الريفية الخالية إلا من جيفارا، يقف العسكري متشنجا، تلتهب عينا جيفارا قائلا: أطلق النار. وهنا يتحول منظور الكاميرا من زاوية اللقطة المتوسطة إلى منظور جيفارا الذي ينظر إلى الجندي وبعد أكثر من طلقة يهوي المقاتل الأسطوري رويدا على الأرض، وبينما تمتلئ الصورة بالعتمة على أنغام موسيقى لاتينية حزينة ينتهي الفيلم بحمل جثمان تشي على طائرة هليكوبتر إلى العاصمة لتصويره فوتغرافيا وبث خبر تأكيد أن جيفارا مات.. مات. وجسد شخصية (جيفارا) ببراعة في CHE الممثل البورتوريكي في هوليود النجم بنيسو دل تورو الذي استغرق (وهو المنتج أيضا) سبع سنوات في دراسة شخصية جيفارا، والتقى مع كل من عرف الثائر الأرجنتيني، إذ بدأ من أسرته المقيمة في هافانا إلى أخيه في الأرجنتين وصولا إلى رفاق نضال (تشي) المذكورين في يوميات بوليفيا. واستعان تورو كذلك بمذكرات جيفارا التي دوّنها في عملين منفصلين: كتاب (يوميات بوليفيا) و(سائق دراجة نارية) إلى جانب صور وكتابات أخرى. وتراكمت المشاهد واللقاءات المصوّرة إلى درجة أن مخرج الفيلم قرر أن يستثمرها لإنتاج فيلم وثائقي منفصل حول جيفارا، مع أنه نجح في أن يجعل مشاهد فيلمه الروائي (تشي) بجزأيه يتماهى مع شخصية جيفارا في الفيلم عبر التمثيل والأداء الواقعي لشخصية جيفارا التي استطاع تورو أن يؤديها بكفاءة عالية ويقدّم صورة إنسانية متكاملة لشخصية سجلت صرخة عالية في القرن العشرين، فجيفارا في الفيلم لم يظهر على الطريقة الهوليودية مثل رامبو وغيره، بل كان أقرب إلى الفيلسوف المحارب.